العربية

111

لمصلحة من ما يكتب في صحافتنا؟


لا أشك أن للصحافة "سلطة" كبيرة.. ويبدو أن حجم هذه السلطة قد تضاعف عدة مرات بفعل تأثير تكنولوجيا الاتصالات التي تضخم بشكل كبير كل ما يقع تحت يدها. في بلاد الغرب تعمل الصحافة في بيئة يمكن وصفها بالمنضبطة، حيث يكتب الأشخاص في مجال تخصصهم ولديهم نظام قضائي يكفل حقوق الناس بشكل جيد. صحافتنا السعودية، في الطرف الآخر، صحافة آخذة في النمو، معظم من يكتبون في الصحف غير متخصصين فيما يكتبون وكثيرا ما تختلط أراؤهم واجتهاداتهم وتفسيراتهم وتوجهاتهم لتشكل في النهاية بيئة خصبة للإساءة لمنجزات بلادنا. 

ما يحدث في صحافة بلادنا اليوم يستحق الوقوف عنده والتفكير في تبعاته على فكر المجتمع واستقراره. الصحافة السعودية لم تعد تعيش في بيئة منغلقة كالأمس. اليوم اتسعت مساحة حريتها وسلطتها وأصبحت تتفاعل بشكل كبير مع ما أفرزته ثورة الاتصالات والمعلومات وشبكة الإنترنت وأصبحت الكلمات التي تكتبها الصحافة تنتشر بشكل غير مسبوق للمنتديات والمدونات ووسائل الدردشة والبريد الإلكتروني وغيرها من وسائل الاتصال على شبكة الإنترنت.
صحافة اليوم أصبحت سلاحا في يد الكثيرين من الكتاب الذين قد لا يعون بشكل كامل تبعات ما يكتبون. إن ما يكتب في الصحافة يصبح لقيما جاهزا للاستغلال الفوري من قبل مرتادي شبكة الإنترنت الذين يجتزئون منه ما يشاؤون ويفسرونه حسب إدراكهم أو أهوائهم الشخصية. الكثير من كتاب المقالات الصحفية أصبحوا مشهورين بفضل منتديات شبكة الإنترنت التي تشبع إلى حد كبير رغبات الكثير من مرتادي هذه الشبكة.
كم هائل جدا من المعلومات الكاملة والناقصة والمبتورة عمدا تنتقل في عروق هذه الشبكة لينشر في المنتديات ثم يحول إلى البريد الشخصي للأفراد. بعض الأشخاص لديهم قوائم بريدية تحتوي على آلاف الأسماء الذين يتلقون كل يوم مئات الرسائل الإلكترونية. ولأن الإنسان فضولي بطبعه فهو ينتقي من عناوين الرسائل ما هو غريب. كثير منا لا يبالي بإرسال أي مادة دسمة أو تافهة إلى غيره دون أي اعتبار لتبعات هذه المادة على الآخرين الذين يتلقونها أو بأي شكل سيفسرونها أو يعيدون إرسالها لقوائم بريدية جديدة.
لقد أصبحت الصحافة مصدرا جيدا للمعلومات على شبكة الإنترنت. ولكوننا نتمتع بهامش حرية واسع في صحافتنا ولأننا نعايش أنظمة غير فعالة في مقاضاة من يسيء إلى الغير عبر الكتابة الصحفية فمن الطبيعي أن تعج بعض صحفنا بالأخبار المبتورة وغير الدقيقة التي تتلقفها وتضخمها المواقع الإلكترونية والمنتديات والمدونات الشخصية (السعودية والأجنبية) مما يؤدي إلى انعكاسات مدمرة لا تضع أمام المجتمع إلا ما ينفره ويشككه في مصداقية و ذمة كل من حوله حتى بتنا نرى كل ما أنجز من حولنا خرابات لا يعيش فيها إلا طائر البوم.
من يكتب في الصحافة كثيرون، ومنهم من لا هم لهم إلا بث التشكيك في المشاريع والبرامج الحكومية بهدف أن يتصدر اسمهم المنتديات الإلكترونية وأحاديث المجالس أو بهدف تصفية حسابات شخصية مع جهات حكومية أو لغاية في نفس يعقوب.. ولم لا وديدن بعض الصحف السعي وراء الإثارة لتحقيق الربح. النهاية المحزنة لكل ذلك أن هؤلاء الكتاب بقصد أو بغير قصد ساهموا في تقويض مصلحة مجتمع ووطن بكامله.
منجزات هذا الوطن والمواطن كثيرة وكل منجز شاركنا فيه جميعا.. كل اجتهد بطريقته وإمكاناته وقدراته ووظيفته وبحدود فهمه لما هو مطلوب منه. علينا ألا ننسى أننا حديثو عهد بالتطور والتنمية ولا أتوقع أن أحدا يطالبنا بأن نقارع من هم أكثر منا تقدما وأكثر خبرة في مجالات التنمية.
ما أنجز في المملكة حتى اليوم هو أفضل ما يمكن تحقيقه، بمعنى أننا بذلنا جهدا ونجحنا حيث نجحنا وأخفقنا حيث أخفقنا. نجحنا عندما ساعدتنا الظروف وخلصت النية، وأخفقنا عندما خانتنا الظروف وساءت النوايا. وهذا يحدث في مراحل تطور وتقدم كل بلاد العالم وليس في بلادنا فقط. لكن، أن يأتي كاتب صحيفة ليهمش منجزات هذه البلاد وليحكم عليها بالفشل فهو أحد ثلاثة أشخاص، جاهل وجب تبصيره أو مسترزق شهرة أعانه الله أو مأجور والعياذ بالله. أنا لا أرى ضررا في نشر الحقائق، لأن هذا واجب الصحافة، لكن مشكلتي مع الكاتب الذي يركز فقط على الأخطاء (لغاية في نفسه) بشكل يوحي أنها لا تحدث في أي من بلاد العالم إلا بلادنا. الأخطاء، وبمختلف أحجامها، تحدث في كل بلاد العالم وهي من إفرازات الكائن البشري وطبيعته في أي زمان و مكان.
أقول لهؤلاء، قارىء اليوم ليس بقارىء الأمس، وهو فطن ولا تخفى عليه نوايا الكاتب وتوجهاته التي تتخلل السطور. اليوم لدينا فئات رزينة من القراء لا تنطلي عليهم أساليب التضخيم والإثارة وتعرف تماما أن هذه الصحف تتملق القارىء بهذا الأسلوب، وإن نظرة بسيطة للتعليقات والردود على مقالات الكتاب تبين لنا المستوى الفكري الراقي أو الضحل لجمهور كل كاتب.