العربية

111

تداعيات ويكيليكس.. البحث في السلوك البشري

أدى تسرب الوثائق السرية الأمريكية عبر موقع ويكيليكس إلى عدد من التداعيات الخطيرة التي لا يستهان بها في كثير من دول العالم. بعض الدول شعرت بصفعة قوية نتيجة عدم قيام الولايات المتحدة الأمريكية بعمل التدابير اللازمة لحماية المعلومات التي تنتقل من خلال خطوط الشبكة الحكومية لنقل المعلومات السرية (SIPRNET) والتي تعتبر العمود الفقري لتمرير المعلومات المصنفة سريا. 

ألوف التحليلات والكتابات حول دوافع وتوقيت تسريب هذه الوثائق تم ربطها بنظرية المؤامرة. من أهم التعليقات التي وردت حول هذه التسريبات ما جاء على لسان مستشار الأمن القومي الأسبق زبيغنيو بريجنسكي الذي رجح احتمالية وجود أجندة خفية تقف وراءها عملية استخبارية معقدة ليس فقط لتسريب الوثائق عبر ويكيليكس، بل أيضا وراء اختيار الوثائق التي حجبت وتلك التي تم نشرها، مضيفا أن ويكيليكس حصلت على وثائق من الجندي الأمريكي الشاب المحلل "برادلي ماننج" إضافة إلى وثائق أخرى حصلت عليها أجهزة أخرى وسربتها عمدا خلف ستار الدخان الذي أثير حول هذا الجندي.
شارك في نفس الرأي ستيفن هادلي مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس بوش الذي قال "....تسربت الوثائق منذ فترة طويلة، إلا أنها لم تنشر إلا الآن، بل إن ويكيليكس أجلت نشرها عدة مرات. لماذا؟. أعتقد أن السبب الحقيقي هو أنها كانت تتعرض لفحص تفصيلي. ممن؟. لا نعرف."
شبكة الإنترنت تخرج علينا كل ساعة بمعلومات جديدة حول هذه التسريبات التي يصعب الانجراف وراءها. وسواء كانت هناك مؤامرة لتسريب هذه الوثائق أم لا، فإنني أجد من الضروري التركيز المكثف على ما قام به جندى المخابرات العسكرية الأمريكية المحلل "برادلي ماننج". الجندي "ماننج" وكان يعمل في العراق إذ يبدو مما نشر أن لديه أسبابا واضحة خلف تسريبه للوثائق. الأسباب تعتبر بمثابة محاولة انتقامية نابعة من "صحوة الضمير" نتيجة ما كان يراه "ماننج" من ظلم القوات الأمريكية فى العراق. يؤكد هذا التفسير نصوص النقاشات (الدردشة) التي تمت بين "برادلي ماننج" وبين "آدريان لامو" (أحد هواة اختراق المواقع على الإنترنت) الذي أبلغه "ماننج" بأنه قد سرب صور وثائق سرية ورسائل دبلوماسية وتقارير استخبارية وأرسلها إلى "جوليان آسانج" الذي يدير موقع ويكيليكس.
بعض تلك الوثائق في نظر "ماننج" تمثل خيبة أمل في بلاده الولايات المتحدة التي لعبت دورا مغايرا لما تزعم به. يتحدث "ماننج" عن كثير من الأمور منها أن مسؤولين أمريكيين عقدوا صفقات جانبية إجرامية – في نظره- مع مسؤولين عراقيين، وأنه لم يكن مقتنعا بالتحقيقات التي أجراها مع 15 محتجزا في العراق بسبب مواد مطبوعة اكتشف لاحقا أنها مجرد انتقادات موجهة ضد فساد الحكومة والتي ما إن كاشف في هذا الأمر رئيسه المباشر حتى وبخه الأخير وطلب منه أن يطبق لسانه وأن يساعده في احتجاز المزيد من الأشخاص.
هناك جانب آخر قد يوضح سبب سلوك الجندي "ماننج". تشير بعض التقارير إلى أنه وفي فترة سابقة قد تم تخفيض رتبته نتيجة ضربه لجندي آخر وصدر أمر بتعطيل بندقيته بعد أن شكك البعض من حوله في قواه العقلية.
في نصوص المناقشات والدردشة مع "آدريان لامو" يقول الجندي "ماننج" إنه يشعر بأنه تحول إلى مجرد حطام لشخص وحيد بائس. فقد هذا الجندي حماسه وولاءه للجيش الأمريكي كقوة داعمة للخير.
في نظري الشخصي، أن جوانب شخصية الجندي "ماننج" ومحطات حياته تستحق منا دراسة تفاصيلها إذا كان هو بالفعل وراء ما نسب إليه، وإذا كان هو بالفعل وراء هذه التسريبات، هل كانت لديه المبررات الكافية لخيانة وظيفته؟ دراسة جوانب شخصية هذا الجندي لا شك فيها دروس وعبر كثيرة لنا جميعا لما يمكن أن يبلغه السلوك البشري عندما نهمش إنسانا. لا نستطيع اليوم استباق الأحداث، لأن كرة الـ "ويكيليكس" ما زالت تتدحرج في الملعب ولا نعلم تماما ماذا سيحدث من مفاجآت قد تهز شباك تفكيرنا.