العربية

111

"طبقة الإدارة الوسطى وتحديات السلوك البشري"



تعتبر الإدارة الوسطى من أهم القطاعات التي تُعوّل عليها قيادات التنظيمات في دفع وتسريع عجلة تحقيق أهداف التنظيمات. المشاهدات اليومية تشير إلى أن أهم التحديات التي يواجهها مديرو هذه الطبقة يكمن في كيفية التعامل مع سلوكيات موظفيهم حيث يغلب على هذه الطبقة استخدام الخبرة الذاتية، في أفضل الأحوال، أو استخدام أسلوب "الإدارة بالفهلوة" التي تترك جراحا غائرة ـ نتيجة التجربة والخطأ في التعامل ـ في نفوس الموظفين، الأمر الذي قد يحولهم إلى طابور خامس داخل تنظيماتهم يعيقون كل تطور وتقدم.
ونظرا لأن تطوير مؤسساتنا يعتمد بشكل كبير على تكوين الصفوف الجديدة من القادة الذين سيحلون محل قادة اليوم، فإنني أرى أنه من الأهمية بمكان تكثيف الجرعات التدريبية في السلوك البشري والتنظيمي كأحد الحلول الرئيسة لتطوير وتنمية قدرات هذه الطبقة من المديرين لا سيما أن ضباب الفساد المنتشر في كل مكان لا يمكن تحجيم مساحته إلا من خلال طبقة واعية من الإدارة الوسطى ومسلحة بـ"قيم العمل السليمة".
جرعات "السلوك البشري والتنظيمي" تستمد قوتها من جملة من التخصصات العلمية مثل علم النفس وعلم الإجتماع والإدارة والتي يسهم التعرف عليها في تحقيق الأهداف الإدارية والتنظيمية. التعمق في هذا المجال يثري خبرات المديرين من الناحية التطبيقية ويحسن بشكل كبير تعاملهم مع المواقف التي يتعرضون لها وبشكل يومي. مثل هذا التعمق يشمل التعرف على إدراك ودافعية الموظف ونمط شخصيته وقيمه واتجاهاته النفسية وطرق تحفيزه لتقديم أفضل ما لديه. إضافة إلى ذلك توفر مثل هذه الجرعات التدريبية على تمكين المديرين من التعرف على سلوك الجماعات وفرق العمل وكيفية التعامل مع الصراعات التي تنشأ بين الأفراد وأساليب التفاوض وكيفية التعامل مع احتياجات برامج التغيير وضغوط العمل. فوق ذلك كله، يتعلم المدير أصول القيادة وتوجيه الموارد البشرية والمالية والفنية في مختلف الأجواء.
التدرب في مجال السلوك البشري والتنظيمي والتعمق فيه يكسب المدير قدرة فائقة على تحسين اتجاهاته وتعديل قيمه وفهم تصرفات وسلوك الفرد البشري داخل التنظيم وتقوي معرفته بكيفية تفاعل الجماعات فيما بينها وكيفية تغيير الأوضاع للأفضل بأقل مقاومة ممكنة. وعليه، فإن كافة مديري الطبقة الوسطى، أيا كانت هويتهم وخلفيتهم، يحتاجون إلى الإلمام وبشكل كبير بقواعد وأسس ونظريات السلوك البشري والتنظيمي وقد حان الوقت لإضافة "الاحترافية في الإدارة" إلى الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات بشكل يدفع المديرين لأدوار أكثر كفاءة وفعالية.
مديرو اليوم يحتاجون إلى الأدوات الفكرية التي تساعدهم في التعامل مع الأعداد الضخمة من العاملين وتجعلهم يحسنون اتخاذ قراراتهم التي غالبا ما تشكل ردود فعل سلبية على موظفيهم. مديرو اليوم يجب أن يلموا بقراءة شخصيات المتقدمين للعمل لاختيار أفضلهم. مديرو اليوم يجب أن يعرفوا كيف يتعاملون مع أعقد التقنيات الإدارية لمواجهة الاحتمالات على كافة الجبهات.
ما يتوجب علينا فعله اليوم هو التركيز على طبقة مديري الإدارة الوسطى بالذات في توعيتهم بأهمية هذه المواضيع لأنها كفيلة بتكوين شرارة جديدة تدفع طبقة المديرين لتقدم أفضل ما لديها آخذين في الاعتبار ما نزعم دوما أنه أهم محور في العملية التنموية. عيب المدير الجاهل بأصول التعامل مع البشر أنه يمثل أكبر نكبة لمستقبل من وضعتهم الظروف تحت إمرته. وليس غريبا، بعد هذا كله، أن يصر أغلب المفكرين الإداريين على أن الإدارة الجيدة هي المحرك الرئيس للإنتاجية وهي التي تقف وراء كل الإنجازات البشرية لأن الإدارة السيئة لا يمكن أن تفيد أو تستفيد حتى في ظل أفضل الموارد المادية والبشرية التي بحوزتها.