العربية

111

الدراسات العليا: هل هي إشباع لحاجات الموظف أم هي ما يحتاجه الجهاز الحكومي؟



يسعى الكثير للحصول على الدرجات العلمية لأسباب متعددة أرجو أن يكون أهمها تطوير الذات لا الوجاهة الاجتماعية. ومن بين الكثيرين من المتقدمين للدراسات العليا هناك أناس كثيرون يستحقون أن يكونوا في مقاعدها، لكن هناك عوامل كثيرة لا علاقة لها بجدية المتقدم (من أهمها معدل البكالوريوس) تلعب دورا كبيرا في استبعاد الكثيرين من الدخول مما يحرمهم من تحقيق رغباتهم. وقد صادفت الأسبوع قبل الماضي أحد طلابي من خريجي نظام الانتساب بالجامعة والذي يعمل في إحدى الدوائر الحكومية ... أتاني يشكو من معدل البكالوريوس ... هو يريد استكمال دراسة الماجستير لأنه يرى فيها وسيلة للاستزادة من العلم وللترقي في الوظيفة. مشكلته أن المقاعد المحدودة للدراسات العليا بالجامعات السعودية ومعدله في البكالوريوس لا يسمح له بالتنافس على المقاعد المحدودة.

ما أريد مناقشته اليوم في مقالتي هذه قضية "المعدل الدراسي" للطالب والذي في نظري لا يعكس قدرات ومهارات الخريج الجامعي ومدى صلاحيته للانخراط في برنامج للدراسات العليا. لماذا؟ لأن معدل الطالب هو محصلة عوامل كثيرة قد لا يلعب التحصيل العلمي الدور الأكبر فيها. وبناءً عليه، يتخرج الآلاف من الطلاب بمعدلات لا تعكس حكما دقيقا على صلاحيتهم للدراسات العليا. ولأنني لا أشجع هدم معايير قلاعنا الأكاديمية ولقناعتي بأهمية تحقيق حلم الإصلاح الإداري والتنظيمي للجهاز الحكومي فإنني أقول إننا بحاجة لابتكار طرق جديدة للتوسع في القبول لدرجة "الماجستير التنفيذي الحكومي" تأخذ في الاعتبار أولا مهارات المتقدمين واتجاهاتهم وجديتهم وإنجازاتهم على الصعيد العملي. وأقصد بـ "الماجستير التنفيذي الحكومي" الدرجة العلمية التي لا تخول صاحبها بالتدريس في الجامعات بل بالعمل التنفيذي في مرافق الدولة.

لقد كتبت في صحيفة الاقتصادية قبل سبع سنوات عن حاجتنا الماسة إلى إعادة تأهيل كافة حاملي درجة البكالوريوس من التخصصات المختلفة ليصبحوا من ذوي الاختصاص في مجالات الإدارة الحكومية. حيث يتوقع في خريجي الماجستير التنفيذي أن يكونوا مسلحين بالأدوات والمفاهيم العلمية القادرة على تشذيب القوانين والأنظمة القضائية والمالية والنقدية السعودية وتشخيص المشاكل الإدارية وحلها في إطار الدور الجديد للأجهزة الحكومية المتمثل في تقليل الآثار السلبية للعولمة والتصدي للفساد وتطوير الأجهزة الحكومية بشكل يدعم استقرار المجتمع السعودي ويحافظ على البيئة.

إن الأعداد الهائلة من حملة البكالوريوس ممن يعملون حاليا في الأجهزة الحكومية هم أصلا ليسوا من المتخصصين في الإدارة الحكومية بل إن خلفياتهم متنوعة بشكل كبير من مختلف التخصصات العلمية والنظرية وهم نتاج مخرجات الجامعات السعودية والبعثات السعودية طوال السنوات الماضية. وحرمانهم من رغباتهم في تطوير قدراتهم يزيد من درجة توترهم نتيجة عدم إشباع حاجاتهم مما قد يدفعهم للانتساب لجامعات غير معترف بها وبالتالي نحرم أنفسنا من فرصة إعادة تأهيلهم بالشكل الذي تتطلبه عملية تطوير الجهاز الحكومي.

وأعتقد أنه حان الوقت لتجاوز قضية المعدل لخدمة قضية أكبر وأهم وهي توفير كوادر بشرية مدربة ومؤهلة تأهيلا عاليا لخدمة أهداف الجهاز الحكومي بدلا من الكفاءات المتواضعة الحالية والتي يصعب إعادة تشكيلها إلا من خلال عبر برامج ماجستير في الإدارة الحكومية تضرب عصفورين بحجر واحد (إشباع حاجات الموظف وإصلاح الجهاز الحكومي). هذا التوجه لا شك سيكون له من الإيجابيات من حيث تلاقح الأفكار والتجارب بين الأستاذ الجامعي والموظفين من مختلف الأجهزة الحكومية من خلال تعرضه للمشاكل الحقيقية للأجهزة الحكومية، وسينعكس أيضا على الأجهزة الحكومية بعد رجوع طلابها إليها.

نحن اليوم بحاجة إلى صفوف جديدة من الموظفين المؤهلين الذين يتحلون بأخلاقيات العمل الحكومي المنظم والسلوكيات المتقدمة والقادرة على تطوير مكان عملها والتي تستطيع القفز فوق سلالم البيروقراطية لتخدم مجمل أهداف الحكومة بدلا من عرقلتها.