العربية

111

لا تجتمع التجارة والصناعة تحت سقف واحد




من أبجديات "التنظيم الإداري" ترتيب الأعمال في وحدات أو كيانات يمكن إدارتها بطريقة مترابطة بشكل يستبعد التعارض بين الأنشطة ويضمن التكامل بين الوحدات ويمكنها من العمل بكفاءة وأعلى إنتاجية ممكنة. وبسبب التعارض أقرت الدولة فصل وزارة الزراعة عن وزارة المياه في الهيكلة الأخيرة. لماذا ؟ لأن وزارة الزراعة التي يناط بها الإهتمام بشؤون الزراعة وتنميتها لا يجوز لها أن تشرف أو تستحوذ على قطاع المياه لتضارب في المصالح. ولأن المياه اصبحت ثروة نادرة فقد قررت الدولة فصل شؤون الوظيفتين حتى لا تستنزف المياه لمصلحة الزراعة دون القطاعات الأخرى. تم الفصل بعد أن تكبدت البلاد خسائر كبيرة نتيجة القرارات التي صدرت عندما كانت شؤون الزراعة والمياه في وزارة واحدة. اليوم تتكرر القصة بأسلوب مختلف ... هذه المرة تتكرر في وزارة التجارة بعد أن تم تسكين شؤون الصناعة فيها سلخا من وزارة الصناعة والكهرباء.

ولقد تعالت الأصوات منذ فترة في الغرف التجارية الصناعية لعل آخرها غرفة الرياض التي أشارت إلى أن دمج وزارتي التجارة والصناعة قد أفرز آثاراً سلبية على قطاع الصناعة بطريقة تنذر بتهميش دور الصناعة الوطنية في دعم الناتج المحلي الإجمالي الأمر الذي قد يدفع العديد من رجال الصناعة إلى توجيه استثماراتهم لقطاعات أخرى. فوق ذلك كتب البعض حول هذا الموضوع وأشاروا إلى أن هذا الدمج زاد في إضعاف وزارة التجارة التي تشتكي اصلا من قلة موظفيها وضعف أدائها المتمثل في فوضى السوق وحالات النصب والغش والتقليد في السلع الغذائية والأدوية والأعشاب والسلع الاستهلاكية والكمالية وفقدان الثقة والقلق من الغش التجاري والتستر التجاري وضعف دور مختبرات الجودة وضعف الرقابة على المساهمات العقارية والتجارية وخسارة المواطنين وتضرر الوكالات التجارية.

تزامن هذا الدمج في وقت كانت فيه وزارة التجارة تكثف كل جهودها للانضمام لمنظمة التجارة العالمية وفي وقت تزايدت فيه أعداد المؤسسات التجارية وفي وقت عانت فيه الوزارة من نقص شديد في دعم ميزانيتها بوظائف كافية لمراقبة الأسواق ولمكافحة الغش التجاري. وتشير الصحف إلى أنه رغم مطالبة الوزارة بحوالي 200 وظيفة لها علاقة واحتياج مباشر بانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية إلا أن وزارة المالية لم تعتمد الوظائف المطلوبة في وقت تحتاج فيه الوزارة إلى عدد كبير من الموظفين المتخصصين في المجالات الملزمة للمملكة بعد أن انضمت لهذه المنظمة. البعض يشير إلى أن عدد الموظفين لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة يعملون في الإدارة الخاصة بمنظمة التجارة العالمية في وقت تحتاج فيه الوزارة إلى جهاز متكامل متخصص ومدعم بخبراء قانونيين لمواجهة التزامات المملكة ومتابعة حالات الإغراق المتوقعة في الأسواق إضافة إلى مكافحة السلع المقلدة ودعم الصادرات وحماية حقوق الملكية الفكرية ... ناهيك عن الشح الكبير في عدد الموظفين العاملين في ضبط الغش التجاري في الوزارة.

مجمل هذه الأسباب تدفع أي متخصص في التنظيم الإداري إلى التوصية بعدم ملائمة بقاء اختصاصات الصناعة تحت مظلة واحدة مع اختصاصات التجارة لا سيما إذا أخذنا في الإعتبار دور "القيم المتعارضة والمتناقضة" بين مصالح التجار والصناع وخطورة وضعها تحت مظلة واحدة. إن قيم التاجر يغلب عليها التركيز على الإستيراد من الخارج والبيع في الداخل بينما قيم الصانع تركز على الاستثمار في داخل الوطن والتفتيش على البدائل المحلية من الخامات وتشغيل عدد كبير من العمالة.

اليوم نرى أن وجود اختصاصات التجارة والصناعة تحت مظلة واحدة في الظروف الحالية قد أفرز آثاراً سلبية على قطاع الصناعة تشير إلى تهميش دور الصناعة الوطنية في دعم الناتج المحلي الإجمالي. لقد أغدقت حكومة المملكة العربية السعودية كثيرا على الصناعة لأنه خيارها الإستراتيجي لتنويع مصادر الدخل. والآن ... وقد وقفت الصناعة السعودية على أرجلها وباتت مصدر فخرنا في الداخل والخارج فإنني أشارك غيري وأقول لا بد من علاج هذه المشكلة.

إن الظروف الحالية تستدعي من اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري (المكلفة بتنفيذ المشروع الوطني لإعادة الهيكلة الإدارية للأجهزة الحكومية ومؤسسات الدولة) إعادة النظر في وضع شؤون الصناعة السعودية واحتياجاتها وطموحاتها أخذين في الإعتبار خطورة هذا القطاع بإمكاناته وحجمه والمشاريع التي يحويها والمستقبل الذي ينتظره من حيث توظيف الشباب السعودي وجذب الاستثمارات الأجنبية. أتمنى كذلك أن تلتفت اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري لدراسة حجم الوظائف وأعداد الموظفين قياساً بالمهام المنوطة بها ومدى الحاجة إليهم في هذا القطاع الهام.