العربية

111

كيف يسهم أستاذ الجامعة في إصلاح التعليم وهو منهزم من الداخل


تقود الدولة السعودية عبر أجهزتها الحكومية المختلفة حركة إصلاحية شاملة في وقت تتضخم فيه التحديات المحلية والدولية نتيجة انفتاحنا وانخراطنا في المنظومة الدولية. هذه التحديات تشكل حاليا عبئا ضخما على قيادات الأجهزة الحكومية التي لا تتوفر لها حاليا نفس مساحة الحرية والحركة التي كانت متوفرة للقيادات الإدارية في السابق. اليوم أصبحنا نرى وبوضوح حجم معاناة هذه القيادات التي تحاول أن تتفاعل وسط سلبيات مزمنة تراكمت عبر الزمن ومطالبة في الوقت نفسه بإنجازات في إطار بيئة تتكامل فيها عناصر منظومة آخذة في التعولم.
من السلبيات المزمنة والملاحظة "منظومة التعليم العالي الحكومي" حيث، وبالرغم من سخاء الدولة وإنفاقها الهائل إلا أننا مازلنا نخرج الكثيرين ممن لا يحتاجهم سوق العمل. في نظري المتواضع أن أي منظومة لا يمكن لها أن تعمل بكفاءة وفعالية إلا بوجود تكامل وترابط شديد بين مكوناتها لأن أي خلخلة في هذه المكونات تؤدي إلى قصور في عمل المنظومة. وإذا نظرنا إلى منظومة التعليم العالي فإن الخلخلة التي نعاني منها واضحة وإلا لما كنا نجد هذا البون الشاسع بين المخرجات المتواضعة مقابل ما يصرف من أموال هائلة على عملية التعليم العالي.

لقد اهتمت الجامعات بالمباني الأسمنتية الضخمة والحدائق الرائعة وصيانتها وأنفقت الكثير على التجهيزات الإلكترونية لمساندة العملية التعليمية، إلا أن جوانب القصور في منظومة التعليم العالي تأتي من إهمال بعض الجوانب الأخرى لعل أهمها "كادر أعضاء هيئة التدريس بالجامعات السعودية" الذي لم يبت في تحسينه حتى الآن رغم مضي أكثر من عقدين من الزمان. النتيجة الحتمية لمثل هذا التأخير كانت تراكم العديد من السلبيات التي لم تؤثر فقط على أداء عضو هيئة التدريس من حيث عطاؤه الذي أصبح "يبدو" أنه يتناسب مع ما يحققه داخل الجامعة من مردود مادي، بل تعدى ذلك إلى العزوف الكثيرين من الانخراط في هذا الكادر وعدم قدرة الجامعات على الاحتفاظ بكثير منهم نتيجة التسرب إلى خارج الجامعات.
وقد كثرت الشكوى حول الكادر المالي الحالي لأعضاء هيئة التدريس الذي أصبح في نظر الكثيرين داخل الجامعات وخارجها مكبلا لعملية إصلاح التعليم العالي السعودي. ولعل أبلغ ما قيل في وصف هذا الكادر ما ذكره مدير جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن العثمان بأنه يمثل "الحلقة الضعيفة" في تطوير منظومة التعليم الجامعي الذي "لا يُمكّن الجامعات ولا المستشفيات الجامعية من المحافظة على المميزين أو استقطاب المميزين" (صحيفة الحياة - 30/01/2008).
حيال كل ذلك، لا أعلم سببا واضحا للتباطؤ في إصدار كادر جديد يتماشى مع تطلعات أعضاء هيئة التدريس الذين هم أحد أعمدة إصلاح التعليم العالي. وإذا كان الإنفاق على صيانة المباني والحدائق والتجهيزات الجامعية ضرورياً للتعليم الجامعي فإن العملية التعليمية في الجامعة لا يمكن أن تقف على رجليها دون أن يشعر عضو هيئة التدريس بالاستقرار النفسي لكي يكون قادرا وراغبا في العطاء. وإذا كانت القدرة لا غبار عليها (لأن الواحد منهم لا يمكنه البدء في التدريس إلا بعد أن تطمئن الجامعة ومجالسها العلمية المختلفة على قدرته وكفاءته) إلا أن الرغبة في العطاء تحكمها أمور كثيرة لا تستطيع أنظمة الجامعة ولوائحها كلها التحكم في نفسيته ودواخلها وتوجهاته لما يعتريها في كثير من الأحيان من التغيير نتيجة الشعور بالغبن نتيجة المردود المادي القليل الذي يتحصل عليه والذي أصبح في نظر الكثيرين إن لم يكن كلهم لا يوفر الحياة الكريمة التي يتطلع إليها في مهنة تختلف عن باقي المهن والتي لا تقبل الحلول الوسط في مستوى الجودة المقدمة.
المملكة، هذه الأيام، تمر بامتحان صعب للغاية لمواجهة القصور في مخرجات التعليم العالي التي بدأت تفرز الكثير من الإشكالات التي يستعصي على وزارة واحدة حلها. ولكون عضو هيئة التدريس ركنا أساسيا في منظومة التعليم العالي يعول عليه في كسب معركة إصلاح التعليم العالي فإن مشاركته لن تكون فعالة وهو مهزوم من الداخل لم يتبق له إلا كبرياؤه الذي يوشك أن يتداعى.