
مهنة التدريس الجامعي من أكثر المهن تحديا وتجديدا ويتوجب على أستاذ المادة متابعة ما يدور حوله من أمور تتعلق بالمواضيع التي يدرسها. هذه المتابعة تأخذ أشكالا عديدة فمنهم من يقرأ الأبحاث الجديدة في مجال تخصصه وينقلها إلى الفصل الدراسي في هيئة نقاشات وواجبات وحالات دراسية ومنهم من يتابع الصحف اليومية والمجلات العادية بما تحتويها من آراء ومقالات وأفكار جديدة وتحقيقات ومقابلات وحتى رسوم كاريكاتيرية يدخلها في محاضراته بشكل تتكامل فيه المادة العلمية المقدمة للطالب. ويبدوا أن هذا النمط الأخير يلقى ترحيبا وتقبلا من الطلاب لأنه يبعد الرتابة والملل عن الفصل الدراسي ويضيف نوعا من التشويق من خلال ملامسة الواقع وقضايا البيئة المحيطة تسهل فهم المادة العلمية.
بالرغم من هذه المحاولات، تتمحور مشكلة الأستاذ والطالب في صناعة الكتاب الجامعي والتي ما زلنا نشاهد الفجوة وهي تتسع بطريقة خيالية عند مقارنة الكتب المقررة باللغة العربية في جامعاتنا مع تلك التي تطبع في الغرب باللغات الأجنبية. وحتى تتضح الصورة للقارئ فإنني سأضرب مثالا للتسهيلات المتوفرة للكتاب الجامعي باللغة الإنجليزية والمدعومة من خلال شبكة الإنترنت. فمن خلال تصفحي عبر الشبكة لموقع أحد مؤسسات النشر الأكاديمية بحثا عن كتاب محدد وجدت عرضا مغريا يعطيني إمكانية التوغل في هذا الكتاب من مختلف جوانبه، فقط إذا كنت أعمل أستاذا في إحدى الجامعات. عندها شرعت في تعبئة الاستمارة المطلوبة عبر الشبكة معطيا إياهم كافة البيانات الشخصية عني وعن جهة عملي وعن المادة التي أدرسها وعدد طلابها، طلب مني الانتظار مدة يومين لكي يتم معالجة طلبي هذا. بعد يومين وصلني منهم الرد بالموافقة من خلال بريدي الإلكتروني مع إجراءات الدخول لهذا الكتاب وغيره من الكتب المعروضة لي طالما أشغل وظيفة أستاذ جامعي.
بدأت عندها رحلة تفحص الكتاب وكافة متعلقاته وفوجئت أنه يوفر لي التالي:
• طرق تدريس المادة والحالات الدراسية الموجودة فيه.
• طريقة تكوين منهج متكامل للمادة يوزع للطلبة يوضح فيه أهداف المادة ومتطلباتها وتوزيع الدرجات.
• إختيار اسئلة من مئات الأسئلة المستقاة من الكتاب (من شتى الأنواع) لاستخدامها في امتحانات الطلبة.
• تنزيل كمية هائلة من الشرائح والشفافيات والوسائل التعليمية والإيضاحية التي تساعد في إيصال المعلومة للطالب.
• إستخدام خاصية غرف النقاش للتحدث مع الآخرين لمناقشة موضوع محدد في الكتاب عبر الشبكة.
بالطبع كان الهدف من إيجاد هذا الموقع تسويق الكتاب عبر العالم ليس للأستاذ فقط وإنما للطلبة أيضا حيث اكتشفت أن أستاذ المادة يحق له السماح لطلابه بدخول نفس الموقع وتصفح بعض جوانب الموقع وليس كله.
هذا بالنسبة للكتاب باللغة الإنجليزية ... أما كتابنا الجامعي باللغة العربية فإن الواقع المؤسف وبسببه يتردى التعليم ويهبط مستوى الخريج وبسببه أيضا يتقوقع الطالب في المجالات النظرية. وفي إعتقادي أن الكتاب والمرجع الجيد ركن اساسي في التعليم الجامعي. أذكر أنني كنت أحد أعضاء لجنة لتصميم مناهج كلية خاصة لإدارة الأعمال وأذكر أن عدم صمود المراجع والكتب العربية لتخريج كفاءات شابة للقطاع الخاص دفعنا لاعتماد التدريس باللغة الإنجليزية واستخدام المراجع والكتب التي توفر دعما عبر شبكة الإنترنت. والنتيجة أنه لم يكن مستغربا أن تحقق هذه الكلية نسبة عالية جدا في توظيف خريجيها في مؤسسات القطاع الخاص.
إن إصلاح نظم التعليم الجامعي في بلادنا لا شك في أهميته ... لكنني أعتقد أن إصلاحه يجب أن يضع في الإعتبار الأبعاد التكنولوجية للعملية التعليمية وتسخير ما هو متوفر حاليا من أدوات لخدمة طلاب العلم. لقد نجح الغرب في توظيف التكنولوجيا لخدمة التعليم. هذه التكنولوجيا متاحة لنا اليوم ونستطيع الإستفادة منها، لكن ليس بالضرورة من إتباع نفس طرقهم ومناهجهم بالكامل. التحدي اليوم هو كيفية إستخدام تكنولوجيا الشبكات والإنترنت لتساند "عملية نقل المعلومة" إلى الطالب ومن خلال لغتنا العربية ... رغم التيار الجارف من المعلومات والوسائل التعليمية المجانية المتاحة باللغة الإنجليزية.
ومن البشائر التي هلت علينا مؤخرا وتدعم هذا التوجه ما قامت به جامعة الملك عبدالعزيز في عدد من الاتجاهات لدعم التعليم عن بعد ولتشجيع الأساتذة لإستخدام تكنولوجيا الحاسبات في مجال التدريس. من هذه الخطوات تزويد بعض الفصول بأجهزة عرض المعلومات Data Show لتمكين الأساتذة من إستخدام برامج الحاسب الآلي في التعليم، إضافة إلى الموقع الإليكتروني (باللغة العربية) لكل استاذ والذي بدأ بالفعل ليقدم لكل طالب سلسلة كبيرة من المعلومات عن المواد الدراسية وطرق التدريس فيها والواجبات ونماذج من الامتحانات... إضافة إلى بعض المواد العلمية التي يقوم الأستاذ بإنزالها في موقعه ويمكن للطلاب تنزيلها لغرض الإستفادة منها. كثير من الأساتذة تفاعلوا مع هذه الخطوة المتقدمة وقاموا بتنزيل ملفات كثيرة تحتوي على عروض للمادة العلمية يمكن تشغيلها على برنامج العرض الشهير PowerPoint وبرنامج Adobe Reader والتوقعات تشير إلى أن الكثير منهم سيبتكر طرقا جديدة لضمان وجود مواد مساندة تضمن وصول المعلومة بطريقة سليمة للطالب. المهم هنا أن الطالب الجامعي لن يكون لديه العذر بعد اليوم في عدم إستخدام الحاسب الآلي لتنزيل المعلومات أو لاستلام البريد الشخصي.
هذا التوجه من قبل الجامعة يحتاج إلى مزيد من الخطوات التي تصب في تسهيل مهمة الأستاذ الجامعي في الحصول على مواد علمية وعروض وأفلام وحالات دراسية عملية محلية ذات علاقة بالمواد التي يدرسها والتي سيقوم الأستاذ بتقييمها وإنزال بعضها على موقعه لإستخدام الطلاب.
أعود لعنوان المقالة ... هل سيأتي يوم نضطر فيه للتدريس باللغة الإنجليزية؟ أقول إنني متفائل اليوم أكثر من سنتين مضت. إن تكثيف التوجه نحو التعليم الإلكتروني ساعدنا كثيرا في التغلب على العديد من العقبات ... لكن لا تزال هناك عقبات هائلة أمام الكتاب الجامعي ولا يستطيع أستاذ المادة لوحده أن يحلها وتحتاج إلى وقفة حاسمة من الجامعات لإيجاد الآليات المساندة التي تضمن توفير مراجع وكتب باللغة العربية لا تقل جودة عما يوفره الناشر في الغرب.