العربية

111

لا تكن غيمة تحجب شمس المدير




حكى لي أحدهم أنه يواجه صعوبات جمة مع رئيسه في العمل وسرد لي قصة طويلة عن معاناته بسبب ضيق أفق رئيسه لتردده ولعدم تبنيه لكثير من الأمور التي تعود بالفائدة على كافة الموظفين. من بين ثنايا هذه الشكوى أكتشفت بأن هذا الموظف، وبدون قصد، يقوم بجهود إضافية فوق ماهو مطالب فيه لتوفير خدمات تزيد من شأن إدارته وشأن زملائه من الموظفين. وقتها قلت له بأن الخطأ ليس خطأ رئيسك بل أنت الذي أوقعت نفسك في الخطأ لأنه بالرغم من حسن نيتك إلا أنك دخلت منطقة محظورة وأشعرت رئيسك بالعجز الأمر الذي دفعه لتضييق الخناق عليك وتصيد أخطائك. أوضحت له بأن من أصعب الأمور على المدير أن يشعر بفقدان السيطرة على من يفترض أن يديرهم وهو شعور يبعث إلى التعاسة وهو سبب كافي ومنطقي للمدير لكي يحارب بطريقة أو بأخرى من يقوم بمثل هذه المبادرات التي تشعره بأنه أقل كفاءة أو إبداعا من مرؤوسه. وعليه، فإن الحكمة تفرض على المرؤوس أن يكون ذكيا في التعامل مع مديره وأن لايحلق بعيدا في إظهار مواهبهم حتى لايطغي على مديره ومن ثم لايكسب من ورائها إلا نتائج عكسية.

هذه المعاناة التي واجهت هذا الشخص ليست بالجديدة ونحن دوما نسمع قصصا كثيرة مشابهة لها. لكن المشكلة التي تكمن وراء هذه المعاناة أن المرؤوسين أشخاص عاديين يمارسون أعمالا مختلفة وتضطرهم الظروف للتعامل أحيانا مع بعض المواقف بشكل قد يشوه نواياهم السليمة، لاسيما وأن الكثير من المبتدئين في العمل ممن لم يتعرضوا بشكل أو بآخر لجرعات مكثفة لدراسة مواضيع في كيفية التعامل مع الرئيس والآخرين داخل دائرة العمل ... يقع الكثير منهم في شرك عدم قدرتهم على التعامل مع رؤسائهم بالرغم من حمل بعضهم لشهادات عالية وفي تخصصات متنوعة تحتاجها أعمال اليوم.

التاريخ يحكي مئات القصص والعبر عن أشخاص كانوا في القمة أبرزوا أنفسهم بشكل أغضب رؤسائهم وبالتالي وجدوا أنفسهم في الحضيض. من هذه الكتب، كتاب "كيف تمسك بزمام القوة" لمؤلفه روبرت غرين الذي يشير إلى أنه من الطبيعي أن تثير السخط والغيرة والحسد من حولك لأنك أفضل منهم ولكنك لاتستطيع أن تقضي بقية عمرك في القلق على مشاعر كل الناس ... فقط إنتبه لمن هم فوقك لأن التفوق على مديرك ربما يكون أسوأ الغلطات التي ترتكبها في عملك. وينصح روبرت غرين كل من يرى في نفسه أنه أذكى من المدير أن يظهر له عكس ذلك وأن يتصرف كساذج وأن يجعل نفسه وكأنه محتاجا له ولخبرته وحتى أن يرتكب الأخطاء التي لاضرر منها والتي تعطيه الفرصة لطلب مساعدة رئيسه ولإستعراض خبرته وعضلاته .. فهذا أفضل من أن يشعر بأنه مهدد منك ويقوم بتسليط غضبه عليك.

بالطبع فإن خشية الرئيس من ظهور وبروز مرؤسيه قد لاتكون قاعدة عامة ... فهناك إستثناءات بين المدراء لأسباب عديدة منها قلة طموح بعض الرؤساء وإستكانتهم (وبالذات في الأجهزة الحكومية) ووجود مثل هؤلاء المدراء قد يسهل لبروز المرؤسين وأخذ نصيبهم من المواقع الإدارية المتقدمة .. لكن ما يثير القلق هو سوء فهم بعض المرؤوس بأن إستعراض مواهبه والمباهاة بها سيقربه من الرئيس. أغلب الظن أن الرئيس سيجد حجة ما لابعادهم وإستبدالهم بأشخاص أقل ذكاءا وأقل جاذبية لكي يدعم رئاسته بشيء من البروز.

وفي الوقت الذي قد يبدي البعض إستغرابه ورغبته في الإعتراف بأن هذه هي بيئة العمل التي نعمل كلنا فيها فإن الكاتب روبرت غرين يؤكد واقعنا كبشر نحب السلطة والسعى للمزيد منها وإذا حصلنا عليها فنحن نريد أن نكون مركز الإنتباه وأن نبدو كالشمس التي يدور حولها الجميع والذكي هو الذي لاينافس بريق هذا المدير بل يسعى لزيادة شدة سطوع شمس مديره.

حيال ذلك، وفي نظري المتواضع، أرى بأن ماسبق يفسر ولو جزئيا ظاهرة عدم إستقرار العديد من الموظفين المعروفين بالتميز في إداراتهم ... وأعتقد بأنهم يجب أن يسألو أنفسهم فيما لو كانوا في وقت من الأوقات غيمة في السماء حجبت شمس المدير.