العربية

111

مدراء يخنقون مستقبل من حولهم


لعل من أصعب الأمور وأعقدها في زمننا هذا إدارة أنماط وأشكال السلوك البشري المختلفة ... لماذا؟ لأن البشر أجناس وثقافات وطباع وميول وتوقعات وطموحات ومشاعر ونشأة مختلفة. تفهم هذه الإختلافات والتعامل معها بقدر من المهنية واجب أصيل لكل مدير لفهم الأفراد العاملين معه من حيث توجهاتهم ودوافعهم وقيمهم وصولا لمعرفة نمط شخصياتهم والتعامل معها وتوجيهها لمصلحة المنظمة. المدير المحترف والماهر هو الذي يميز إحتياجات ودوافع العاملين معه وعدم قدرته على تمييز ذلك يجعل المنظمة والعاملين فيها حقل تجارب خاص به يصيب ويخطىء فيه. الطموح، والكبرياء ، وحب الأسرة ، والمشاعر الوطنية ، والعادات، والتقاليد، والرغبة في حب الظهور، والزعامة، والخوف كلها عوامل لا نشترك فيها جميعا بنفس المقادير لكنها توجه كل منا نحو سلوك محدد داخل التنظيم للتصرف بطريقة معينة ... عوامل مثل هذه لا يعيها إلا المتخصصون في الإدارة والسلوك التنظيمي ... إن لم يلتفت لها المدير فإنها ستكلف إدارته ومنشأته الشيء الكثير من الوقت والجهد والمال.

مشكلتنا في إدارة البشر أن الكثير منا يعتقد أن الإدارة هي "فهلوة" ويمكن لأي واحد منا أن يمارسها. صحيح أن الإدارة "فهلوة" .... لكنها كذلك، فقط، عند الأمم الجاهلة... ودليي على ذلك أن الأمم التي قدرت الإدارة حق قدرها هي نفسها الأمم التي تقود العالم حاليا. في عام 1917م قال الرئيس الأمريكي ... إن النظام الشيوعي قد قام في الشرق.. ولدى أمريكا نظامها في الغرب ... والنظام الذي سيكتب له التفوق هو النظام "الأفضل إدارة". بالطبع لست هنا لأعدد مزايا نمط الإدارة الأمريكية الحالية فلي عليها من الملاحظات الشيء الكثير لكنني فقط أقول إنني أرثي لحال كل أمة تسند شئون إدارتها لأشخاص غير متخصصين في إدارة البشر.

ما قادني لهذه المقدمة الطويلة نسبيا هو أنني أؤمن بأن لكل مهنة أدواتها وطرقها ومناهجها ... وكل منا في مهنته يستخدم الأدوات التي تعينه في أداء مهامه. فالطبيب يستخدم سماعته الطبية وغيرها من الأدوات والتجهيزات لتشخيص المشاكل التي يواجهها في مهنته، كذلك المهندي والميكانيكي والكهربائي والسباك كلهم لديهم أدواتهم ومعداتهم التي تكفل أداء عملهم بنجاح ... إلا مهنة الإدارة فيبدوا أنها مهنة الجميع يعمل فيها أصحاب كل التخصصات لأن معايير إختيار الأشخاص فيها يتسم بمرونة تثير القلق.
مشكلتنا اليوم أن هناك كثير من الأشخاص يتسلمون مواقع إدارية قيادية وليس لديهم الخلفية الإدارية الكافية أو الممارسة التي تؤهلهم لقيادة البشر من حولهم. الشواهد من حولنا كثيرة .... طاقات شابة تم وأدها في مهدها من قبل رؤساءها ... موظفين تحولو إلى كتل من الجماد لا يحركون ساكنا في أعمالهم ... إدارات كثيرة أبتليت برؤساء نخروا آمال وطموحات موظفيهم. المحصلة النهائية لهذا كله أن هناك أشخاص قد عاثوا وعبثوا كثيرا لأن هناك من اسند إليهم أعمالا ذات مواصفات قيادية تتطلب فهما متوسعا في السلوك الإنساني دون أن يكون لهم في ذلك لا ناقة أو جمل.

الإدارة تحتاج إلى مدير يعرف كيف ومتى يستخدم أدوات الإدارة من نظريات وقوانين مجربة وخبرة وحنكة وبمقادير تقررها خبرته في التعاطي مع المواقف والبشر... تماما كالطبيب الذي يصف الدواء للمريض بالمقدار والجرعة والتوقيت وهو يعلم تفاعلات إجمالي الأدوية مع بعضها البعض. الكم الهائل من النظريات الإدارية والسلوكية لا يعرفها إلا المتخصصون في العلوم الإدارية والسلوكية وعندما يتبوأ المناصب الإدارية القيادية أشخاص يفتقرون إلى توليف المزيح المزيج المطلوب من النظرية والتطبيق فإننا نجازف بمستقبل هذه الإدارة الحكومية وذلك المصنع وذلك المشروع ونلقي بمستقبل وطموحات العاملين في محرقة الضياع، والنتيجة أن الأهداف لا تتحقق ويكثر التسويف والمماطلة وتسوء الإدارة ويغزوها الفساد من كل جوانبها.

المدير الفهلوي، في نظري، قد ولى زمانه. نحن في زمن صعب سنضطر إلى التخلص من المجاملات والحمل الزائد في كثير من أمورنا وليس هناك مكان تقبل فيه أنصاف الحلول أو لغراب يحلق في غير سربه.