العربية

111

"من لا يعرف إلا وطنه لا يعرف وطنه"




وأنا أعيش اليوم ولأول مرة "يوم الوطن" يمر بفكري شريط أحداث لمواقف عظيمة كان لها دور كبير وحاسم في كل مظاهر النعمة والتقدم الذي تعيشه بلادنا. تمنيت في هذا اليوم لو أننا قطعنا شوطا كبيرا في التهيئة لهذا اليوم ... تمنيت لو أنني أعيش "يوم الوطن" في وطن يعترف جميع أبناءه بأهمية هذا اليوم لكي أرى السعادة والفرحة على وجوههم فأفرح وأزداد سعادة.

لقد مر "اليوم الوطني" ولسنوات عديدة مرور الكرام ... لم يكن لهذا اليوم عطلة رسمية ... أما اليوم فقد تحقق ذلك وأصبح لك يا وطني يوم فيه مساحة من الوقت نرفع رؤوسنا بك عاليا ... يوم نتذكر فيه مآثرك وإنجازاتك التي تعدت حدودنا.

لقد عشنا ردحا طويلا من الزمن ننظر فيه إلى هذا الوطن وكأنه أحد المسلمات ... كثير منا لا يعرف إلا بلدته ... وكثير منا لم يغادر هذه البلاد ... والبعض منا سعيد جدا أنه لم يضطر إلى السفر خارجا. "من لا يعرف إلا وطنه لا يعرف وطنه" عبارة لا أعرف من قالها قرأتها منذ زمن في مكان ما ... لكنها عميقة في تفاصيلها لا يعرفها إلا من سافر وخرج من هذه الديار وعانى الغربة وأفتقد أهله وتراب وهواء وسماء وطنه ... سمعنا قصصا كثيرة عن حب الناس لأوطانهم. أعرف وافدا من بلاد فقيرة أرسل رسالة لأمه يقول لها "ما تركت بلادي كرها فيها ولكن ضيق العيش فيها أجبرني على الخروج .. لكن ثقي يا أمي إنني غريب في هذه الديار وإن أموال الدنيا لا تساوي الجلوس تحت ظل شجرة في بلادي".

حب الوطن شعور غريب لم أعرف تفاصيله إلا عندما سافرت للخارج وعشت أجنبيا في بلاد غير بلادي وقابلت الكثير مثلي من الأخوة العرب والمسلمين من شتى أنحاء الأرض. رأيت ولمست شعور الآخرين وحبهم لأوطانهم ... هذا الشعور لا يخرج أبدا عن شعور ذلك الوافد الذي قابلته في بلادي. الكل يحب وطنه بالرغم من كل ما ينغص حياته في وطنه. لم أجد تفسيرا لهذه الظاهرة غير القول بأن الوطن هو الجذور و الإنتماء والهوية ...
فإذا ذهب الإنسان خارج وطنه وتغرب فإنه يعيش في غربة دائمة لأنه ترك جذوره في وطنه... لكن جذور الوطن باقية فينا دوما ولا تغادرنا والدليل على ذلك أننا عندما نتذكر وطننا نستشعر الحنين و الدفء والأمان.

اليوم الوطني ليس مناسبة تمر فقط بل هو تذكير لنا بما قدمه الوطن لنا جميعا وبما يجب أن نقدم له. لقد قدم لنا الوطن مواقف عظيمة كان لها دور كبير وحاسم في كل مظاهر النعمة التي نعيشها. كيف يمكن أن أتصور وطني لو لم يدخل الملك عبدالعزيز الهاتف في هذه البلاد؟ كيف يمكن أن يكون وطني لو لم يبدأ الملك فيصل بتدريس البنات في هذه البلاد؟ كيف يمكن أن يكون حال وطني لو لم يسمح الملك فهد بدخول القوات الصديقة والأجنبية لتحرير كويتنا؟

صدور قرار الإحتفال باليوم الوطني لهذه البلاد هو قرار حاسم لا يختلف عن القرارات السابقة ومن جملة القرارات الحاسمة التي ستشكل بإذن الله مستقبل ومصير هذا البلد وإنتمائنا لكل ذرة من تراب هذا الوطن. لا يمكن لهذا الوطن أن يعيش إلا إذا شعر بالحب من أبنائه. الوطن هو إنسان يحتاج إلى حب أقرب الناس إليه وبدون هذا الحب والوفاء سيموت ... الوطن هو قارب نجاة إن لم نحافظ عليه غرقنا في بحر عاصف لا يرحم ... عندها تغرق معه كل المكتسبات والإنجازات ... ستموت معه أحلامنا وطموحاتنا وستسبقنا الأمم التي أحبت أوطانها.

هذا الحب للأسف خنق طويلا لأسباب غير منطقية لا يمكن للعقل الذي يفكر أن يستوعبها ... لقد عدت يا وطن لنا جميعا ... لقد عدت لمكانك في القلب دوما يا أغلى وطن. لقد عشت يا وطني دوما لرفعة الإسلام فأختارك الله عز وجل لرفعة دينه.

سؤال أخير لعقولنا فقط ... كيف يمكن أن يكون حال وشكل الإسلام اليوم بدون هذا الوطن؟