العربية

111

البنك الدولي في مواجهة الضفادع




دأب البنك الدولي على تقديم النصائح للدول النامية لمساعدتها على التغلب على المصاعب التي تواجهها في المجالات التنموية ... والنتيجة أن وقعت العديد من الدول ومن بينها بعض الدول العربية في فخ المديونية الخارجية حتى بلغت مستويات حرجة تؤثر وبشدة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي لهذه الدول ناهيك عن تاثير هذه المديونية على قرارها السياسي.

حيال هذه القضية، كنت دوما أتساءل عن مدى نبل ومصداقية هذه النصائح وهل هي تنبع من توجهات خيرة أم أنها تهيء الظروف لتصب كل الأمور في النهاية في مصلحة الدول الغربية وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية. وللإجابة على هذا التساؤل أجد نفسي أعود دوما للبداية دون إجابة شافية رغم قناعتي أن مشكلة البنك الدولي الرئيسة هي تبنيه نماذج إصلاحية ذات صبغة غربية مجردة ومحاولته إستزراعها في دول أخرى لاتنسجم مجمل ظروفها مع هذه النماذج ... فما ينفع في كوريا قد لايصلح تطبيقه في مصر وما يصلح لمصر قد لايصلح للأردن ... وهكذا ... والنتيجة أن البنك في محاولاته قد زاد الطين بلة وأدت إلى فشل سياساته التي تبناها منذ أكثر من نصف قرن لأنها لم تنصف الفقراء ولم تحل مشاكل الفقر والمرض والبطالة، بل فاقمتها.

وأذكر أنني كنت في أحد المؤتمرات في دبي عندما قابلت أحد الخبراء الذين تم تكليفهم بدراسة الوضع في أحدى الدول ... قال لي هذا الخبير أنه بعد دراسة لأوضاعها أكتشف بأنها غير واضحة المعالم ومعقدة للغاية نتيجة تردي وسوء الأوضاع وأنه زملائه من الخبراء غالبا ما سينتشلوها من هذا الواقع المشوه إلى واقع آخر ستكون معالمه أكثر غموضا. ولقد صدق هذا الخبير وكان من النتائج أزمات متتالية ساهمت في هجرة الكثير من شعب هذه الدولة يجوبون أنحاء العالم بحثا عن الطعام بطرق مشروعة وغير مشروعة.

هنا بالطبع قد تبرز عدة تساؤلات جديدة تتعلق بكفاءة وجدية خبراء البنك الدولي في دراسة أوضاع الدول ودرجة تجردهم من تأثيرات قيمهم ومعتقداتهم الشخصية... لكن السؤال الأخطر يظل يجثم على صدور المجتمعات النامية ... إلى متى تصبح هذه الدول حقل تجارب للبنك الدولي وغيره ؟ مثل هذه التساؤلات سيكون من الصعب الوصول إلى إجابة شافية لها لأن الغريق في البحر يتعلق بأي شيء حوله ولايتشرط على من يفترض أن يكون منقذه. في نفس الوقت، لا أريد أن أكون ساذجا وأصدق بأن هناك شخص يساعد الآخر من تلقاء نفسه (إلا من رحمه ربي) فما بالك بدول غربية تسيطر عليها النزعة المادية في كل ظروف حياتها!!!!! وبالرغم من أنني لا أريد أن أتهم بمناصرة "نظرية المؤامرة" إلا أنني أجدها تقفز أمام بصري كلما نظرت وتمعنت حولي في هذه المشاهد البائسة للدول النامية لا أجد لها إلا التفسير التآمري المتمثل في الصراع الأزلي بين الفقير والغني ... بين الضعيف والقوي ... حياة الغابة التي وإن أختفت مظاهرها لكن قوانينها مازالت تسيطر على أفعالنا.

في هذه الغابة يختلف ذكاء كل حيوان عن الآخر وفي النهاية البقاء للأقوى. من هذه المخلوقات في الغابة "الضفدع" الذي تصلح صفاته وسماته لتوضيح "نظرية التآمر." لو أتينا بضفدع وألقيناه في قدر من الماء الساخن لقفز منه فوراً ... حب البقاء دفعه إلى القفز والهرب. لكن لو وضعنا هذا الضفدع في قدر من الماء الدافئ فوق نار هادئة تتدرج حرارتها في الصعود وأضفنا قليل من الأكل لهذا الضفدع فإن الضفدع سيبقى في القدر حتى يموت من حرارة الماء التي تصاعدت بالتدريج دون أن يحس بها. لماذا لم يحس بها؟ لأننا روضنا هذا الضفدع فهيأنا له البيئة التي ستقتله في النهاية و... لكن بالتدريج.

هكذا تبدوا خطة الدول القوية تجاه الدول الضعيفة، أستغلوا ظروفها وأوضاعها المتردية حتى سيطرو على قراراتها وأشغلوها بأمور هامشية وتفرغو هم لمزيد من إحكام السيطرة على هذه الدول. المهم في الأمر أن أوضاع كثير من الدول النامية تدنى بشكل صارخ وأصبحت تعاني من الإحباط والإحتقان وأصبح قلق الشعوب على مصيرها هو السمة الأساسية.

في مقابل هذا التهتك في الهياكل الإقتصادية والإجتماعية بدأ البنك يسوق لخطط جديدة أبتكرها لتتعامل مع الواقع الجديد للعالم النامي الذي لم تفسدها إلا الخطط الأولى. مايقوم به البنك الدولي حاليا من ترويج لإصلاحات إقتصادية من خلال مشاركة واسعة من القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني هي الفصل الأخير أو ماقبل الأخير لإجهاز القوي على الضعيف. يأتي هذا الترويج في وقت قد فقد فيه العالم النامي أهليته التي تمكنه من إتخاذ قراراته السيادية التي تخدم أمته مقابل تقوية لقطاع خاص يتحكم في الأمور ويسهل من خلاله إختراق المجتمعات ويحقق حلم القوي في إستعباد وتسخير الضعيف لخدمته.