العربية

111

دوريات الأمن في مواجهة المتغيرات




لم أجد فئة من البشر يمكن أن يتسلل الإحباط إليهم في عالمنا هذا أكثر من رجال الأمن. لماذا؟... لأنهم فئة استثنائية تعمل في أوقات غير طبيعية ويواجهون ما لا يواجهه الفرد العادي منا. حيث يمر الواحد منهم على مخاطر ومناظر ومواقف ومصاعب مهولة ويطلعون على أمور أقل ما يقال فيها أنها تجذب التوتر والقلق والضغوط النفسية. وفي بلادنا المملكة العربية السعودية نجد أن وظيفة رجل الأمن قد اعتراها الكثير من التغيير نتيجة ارتفاع حدة الهجمات الإرهابية التي لم نتصور أن نكون نحن هدفا لها. بالرغم من ذلك نجد رجال الأمن لدينا صامدين أقوياء الإرادة والعزيمة. لا أقول هذا الكلام من فراغ وإنما من معايشة قطاع هام من قطاعات الأمن هو قطاع "الدوريات الأمنية" في مختلف مدن المملكة حيث قمت بتدريب ما يزيد على 2000 رجل منهم في كل من جدة ومكة والرياض والمدينة والمنطقة الشرقية وعسير في إطار البرامج التدريبية التي تقدمها جامعة الملك عبدالعزيز لبعض أقسام وزارة الداخلية في مجال "مهارات وفن التعامل والاتصال". مهارات وفن التعامل والاتصال من المواضيع المهمة التي تضفي بعداً جديدا لرجل الأمن وتزيد من قدراته ومهاراته على التعامل في مختلف المواقف، وكيف يمكن لرجل الأمن أن يكون قويا دون قسوة وبعيدا عن استخدام القوة والتسلط في تطبيق الأنظمة من خلال استخدام الهدوء والتعقل والابتسامة مع السيطرة على الموقف مما يضفي عليه وعلى المتعاملين معه جوا مريحا يبعد التوتر والقلق الناتج عن الضغوط والهموم اليومية. جوهر هذه البرامج هو رفع كفاءة رجل الأمن (الذي يواجه شتى أنواع الضغوط) في محاور عديدة منها فن التعامل والاتصال مع الثقافات المختلفة والأخلاقيات الواجب توافرها في رجل الأمن وفنون التعامل النفسي وطرق كسب قلوب الناس وتنمية مهارات التفاوض ومفاتيح نجاح رجل الأمن.تقول الكاتبة جهير بنت عبدالله المساعد في إحدى مقالاتها، وهي تصف شعور المواطن تجاه رجل الأمن، ما يلي... "في هذه الأيام البطولة لرجل الأمن، والخطر على رجل الأمن، والمصلحة في رجل الأمن، والمبادأة والمبادرة والإيثار والتضحية علامات رجل الأمن، والمسؤولية والحماية والدفاع عند رجل الأمن، وصار هو اليوم حمّال الحمول الثقيلة". توقفت كثيرا عند عبارة "حمال الحمول الثقيلة" وصرت أرددها في بداية كل برنامج ليقيني بأنها تصف وصفا دقيقا هذه الشريحة من مجتمعنا التي وضعت صدورها في مواجهة شتى الأخطار لننعم نحن باقي شرائح المجتمع بالأمن والاستقرار. رأيت في سلوكهم حب الحياة البسيطة... رأيت في أعينهم الإصرار على استتباب الأمن... لمست فيهم حب الوطن... وجدت فيهم شغفا وإقبالا عجيبا للتعلم... وجدتهم صريحين في التعاطي مع مواضيع البرنامج. وجدت فوق ذلك حرصا استثنائيا من قياداتهم على مشاركتهم في العديد من جزئيات البرنامج للتعرف على الصعوبات التي قد يواجهها تنفيذ البرنامج. وجدت في هذه القيادات الثقافة العالية ودماثة الخلق والانفتاح والتفهم لتفاصيل احتياجات رجالهم. إن قيادة مثل هذه لا عجب أن تكون مدرسة يتخرج منها رجال غير عاديين يتغيرون مع تغير الأوضاع من حولهم. تارة يتمتعون بالرقة وثانية بالصلابة وأخرى بالمرونة... يتشكلون حسب متطلبات الموقف الذي يعيشونه. موقف واحد أثر في كثيرا عندما كنت أستعد للبدء في أحد هذه البرامج في جدة عندما لاحظت في وجوه المتدربين مسحة حزن. عندما سألتهم قالوا لي إن من استشهد في البارحة في إحدى المواجهات هو زميلهم الذي كان يفترض أن يكون معهم اليوم. رغم ذلك تابعوا كلهم البرنامج وحال لسانهم يقول هذا واجبنا وهذه بلادنا. في السابق كنا ننظر بإعجاب شديد إلى الدول المتقدمة الأخرى التي تفخر برجالها الذين يدافعون عنها، في وقت كانت فيه إمكاناتنا متواضعة. اليوم صرنا لا نخشى أن نقارن أنفسنا مع هذه الدول. اليوم نفخر بأننا بلد لا يستند على الضعف في ترسيخ السلام... نحن نعلم بأن السلام لا يرتكن إلى الضعف بل يرتكن إلى القوة. كل المحبة والتحية والتقدير لرجال الأمن الأوفياء الذين سهروا ويسهرون على راحة وأمن هذه البلاد وكل الدعاء لمن استشهد وهو يؤدي واجبه الشرعي والوطني والمهني... وبلادنا محفوظة بحفظ الله.