العربية

111

الانتقال إلى بيئة التعلم




التغيير من سنن هذا الكون الذي نعيشه ... وقد أصاب التغيير أمور كثيرة في مهنة التعليم والتدريس، فقد ساهمت ثورة الحاسوب وشبكة الإنترنت في نشوء جيل جديد من الطلاب الجامعيين لم نعهده من قبل. اليوم نجد بيننا من الطلاب من يجيد التعامل مع لوحة مفاتيح الحاسوب وإرسال البريد الإلكتروني والبحث في محركات البحث بشكل فاق تصوراتنا قبل سنوات معدودة. هذا التغيير في نوعية الطلاب لم يأت صدفة أو بغتة بل كانت وراءه عوامل كثيرة لعل من أهمها قيام الجامعات بتزويد بعض فصولها الدراسية بأجهزة عرض المعلومات الإلكترونية التي تمكن أستاذ المادة من عرض محاضراته للطلاب عبر التطبيقات الحاسوبية المعدة لهذا الغرض من خلال حاسوبه الدفتري. وما يثلج الصدر اليوم أننا نرى اليوم حمل عدد من الأساتذة والطلاب للحاسوب الدفتري معهم إلى المحاضرات مع بروز طبقة من الطلاب الذين يتفوقون حتى على اساتذتهم في التعامل مع تقنيات الحاسوب وتطبيقاته.

مثل هذه الظروف لا أشك في أنها ستحدث تحولا جذريا في مفاهيم التعليم والتحول إلى بيئة تعليمية جديدة تتسم بالتركيز على "التعلم" لا على "التعليم". الفرق بين المفهومين ينحصر في الابتعاد عن التلقين والوصاية على الطالب وترك ساحة المعرفة للطالب لكي يتعلم منها ويغرف من أوعية المعرفة المتوفرة له من خلال الشبكة العنكبوتية وغيرها في الإطار الذي تحدده مفردات المادة العلمية. ومن ملاحظاتي الشخصية في التدريس لمست نجاحات تدريجية متسارعة ومثيرة تدعم "إليكترونية التعليم". من هذه النجاحات قيام كافة الأساتذة الجامعيين برصد درجات الطلاب بأنفسهم عبر الحاسوب بعد أن قامت بعض الجامعات بتوفير البنية التحتية من الشبكات السريعة وتزويد مكاتب الأساتذة بأجهزة الحاسوب. بعض الجامعات لم تقف عند هذا الحد بل وفرت معامل حاسوبية كثيرة لإستخدام الطلبة مع التدريب ... بل ذهبت إلى نقطة أبعد ودخلت في اتفاقات مع الشركات لتمويل أجهزة الحاسوب لطلابها بأسعار تنافسية للطلاب.

هذه البيئة الجديدة لا شك أنها ستحدث تغييرات كبيرة من شأنها أن تحسن في نوعية الخريج الجامعي وتجعله أكثر قابلية لاحتياجات العمل في القطاع الخاص. بعض الأساتذة بدأوا بالفعل في تقويم طلابهم بطريقة تتماشى مع توفر هذه الإمكانات فأصبح البعض يحفز طلابه (من خلال الدرجات) ويعطى درجات للطالب عند إرساله الواجبات والتقارير عبر البريد الإليكتروني بدلا من تسليمها باليد لأستاذ المادة. البعض الآخر يخصص درجات عند قيام الطالب بعرض موضوعه أو تقريره من خلال برنامج العرض الشهير بور بوينت. وزيادة على ذلك يقوم البعض أيضا بتكليف الطلبة بالبحث في شبكة الإنترنت عن مقالات أو حالات دراسية ذات علاقة بمفردات المادة التي يدرسها.

مثل هذه الظروف، في نظري، تساعد الطالب في تجهيز نفسه للتعامل مع المادة بطريقة أفضل من خلال مصادر عديدة وليس كتاب واحد أو كتابين ويستطيع الطالب فهم أشياء كثيرة قد لا يكون الكتاب مهيأ لشرحها بالتوسع المطلوب أو بالتبسيط الذي يبتغيه الطالب. بيئة "التعلم" هذه تساعد الطالب بعد تخرجه على إتقان العديد من تطبيقات الحاسوب وطرق البحث عن المعلومة من خلال الشبكة إضافة إلى اعداد تقارير مكتوبة على المستوى الفردي او مستوى العمل الجماعي، ناهيك عن مهارة الاتصال والحوار ومهارة العمل الجماعي ومهارات عرض الأفكار والتقارير.

استطاع الكثير من الأساتذة تسخير هذه التقنيات وتحويل محاضراتهم من بيئة تعليم جافة تستند على المحاضرات التقليدية المملة التي تستخدم السبورة والشرح إلى بيئة تربوية مشوقة جاذبة لاهتمام الطالب حيث يعرض الأستاذ الصور والجداول والحالات الدراسية وبعض لقطات الفيديو ذات العلاقة بالتخصص. هذا التحول في نظري سيساهم في تخريج كفاءات مستوعبة ومبدعة تختلف عن الجيل السابق.... جيل تتوفر لديه العديد من المهارات التي ستسهل عليه الإندماج والتفاعل الإيجابي مع سوق العمل.

إن الفرص المتاحة لنا اليوم كبيرة ... لكن التحديات أكبر. تكنولوجيا الحاسوب والإنترنت تساعدنا على إعادة صياغة الطالب وتشكيلة بطريقة تجعله قادرا على الوقوف على رجليه في سوق العمل. لكن ما زلنا نحتاج إلى التأكيد على عوائد هذا الاستثمار الذي أنفق في هذه التجهيزات والشبكات والتأكد من أنها تصب في مصلحة الخريج. الجامعات السعودية ما زالت تحتاج إلى مزيد من الجهد المكثف للتأكد من إستخدام هذه البنية التحتية الإستخدام الأمثل وخاصة ما يتعلق بالفصول الدراسية ومدى جاهزية التجهيزات وعدم تعطلها. الأستاذ الجامعي، أيضا، يجب علينا أن نتأكد من مدى جاهزيته تقنيا ونفسيا للانتقال من الأساليب التقليدية في نقل المعلومة إلى الفضاء الرحب المتمثل في الانفجار المعلوماتي المتاح لنا اليوم.