.jpg)
لكل بلد ومجتمع إنجازاته وإخفاقاته... ولا شك أنه إذا وضعنا منجزات بلادنا في الميادين المختلفة لوجدنا أن ما تحقق شيء يحق لنا أن نفاخر به جميعا. لكن الصراحة تقودنا إلى الإعتراف بأن هناك إخفاقات عديدة تقض مضاجعنا وتشل حركتنا وتفكيرنا. من أهم هذه الإخفاقات، في نظري والتي ينعكس ظلها بشكل أو بآخر على الإخفاقات الأخرى، قضية إهتمام أجهزتنا الحكومية بمواردها البشرية.
في جميع الإنجازات العظيمة نكتشف أن العناية بالموارد البشرية وتدريبها هو حجر الزاوية الحاسم في كل نجاح تحقق. والعكس صحيح أن كل مجال أخفقنا فيه نجد أن الموارد البشرية هو العنصر الذي لم نعره إهتمامنا كما يجب. الموارد البشرية هنا بمثابة إستثمار يحتاج صقلها إلى رعاية فائقة في تدريبها على أعمالها ومراقبة القصور في أداءها ثم إعادة تدريبها لتصبح القوة الدافعة القادرة على مواجهة أعتى المشاكل.
وحتى لا يكون كلامنا هذا مجرد حديث نظري عابر لنفكر مليا في الأمثلة التالية:
• شركة أرامكو إحدى الشركات السعودية العالمية ... لا أعرف كيف وصلت إلى هذا الحجم وهذا المستوى الرائع من التنظيم لو لم تغدق كثيرا من ميزانيتها على تدريب السعوديين بكثافة.
• الخطوط الجوية العربية السعودية ... كيف يمكن لهذا الجهاز التنظيمي أن يوظف هذا العدد الهائل من السعوديين وأن يقوم بكل هذا العمل وما يكتنفه من دقة وتنسيق وخطورة بدون أن يعتمدوا على خطط لا تنتهي في تدريب السعوديين.
• الكرة السعودية وما حققته من إنجازات وصلت إلى أقصى هذه الأرض ... لم تتمكن من إكتساب إحترام الجميع لو لم تهتم بتدريب لاعبيها وبصفة شبه يومية.
• الأمثلة ليست قليلة ... فقط أنظر إلى أي جهاز حكومي ناجح ترى التدريب فيه قد صنع المعجزات.
في المقابل لو نظرنا إلى معظم بقية الأجهزة الحكومية بكامل أنواعها .. ماذا نجد؟ نجد أنه كان بالإمكان تحسين خدماتها ومخرجاتها لو أعتنت كل جهة بخططها في تدريب مواردها البشرية. مشكلة الموارد البشرية الحكومية لا تحتاج إلى كثير من الذكاء لتكتشف أن السبب وراءها أنظمة الخدمة المدنية وأنظمة المالية. هذه الأنظمة رغم ماأدخل عليها من تعديلات ظلت محتفظة بقبضتها البيروقراطية التي تشل حركة تحديث وتطوير وتنمية مواردنا البشرية. ونتيجة لهذه الأنظمة والإجراءات فإن المشكلة لاتكمن فقط في قلة مايرصد من ميزانيات لتدريب القوى البشرية في كثير من الأجهزة الحكومية بل أن مايرصد من هذه المبالغ يوجه بطريقة عجيبة لتعويض بعض الأشخاص لقيامهم بإنجازات إستثنائية، أو لموظفين لم تسمح البنود المالية المختصة لمكافأتهم فيعوضون عنها بدورة تدريبية خارجية ترفيهية قد يتم إختيار وقتها بحيث تربط مع إجازة سنوية... إلى آخره من المبررات التي نسمعها ونقرأها كثيرا حول الدوائر الحكومية.
الخطورة هنا أن الهدف من التدريب قد فقد فعاليته لعدم إستغلاله وتوجيهه بالطريقة التي ترفع من قدرات الفرد وتجعله قادرا على مواجهة المتغيرات مما أفرز على الساحة أعدادا كبيرة من الموظفين تراكم الغبار عليهم حتى فقدوا القدرة على التكيف مع المتطلبات الجديدة للأجهزة الحكومية والدور الجديد الذي بدأنا نرى ملامحه. البعض من هذه الفئة أصبح ناقما على الجهاز الحكومي الذي يعمل فيه لأنه لم يجهزه لهذه المتغيرات فأصبحوا مهمشين ينتظرون إكمال سنوات تقاعدهم والبعض منهم مازال ينتظر زيادة رواتب الكادر الذي لم يتحرك منذ زمن طويل ليجني تقاعدا أفضل.
اليوم وقد بدت ملامح القرن الجديد تتضح أقول بأن السنوات القليلة القادمة تحمل في طياتها الكثير من المفاجآت والقرارات الأليمة لكثير من موظفي الخدمة المدنية ممن فاتهم قطار تطوير الذات لأن دور الحكومة آخذ في التشكل والتغيير ليتحد مع القطاع الخاص كشريك حقيقي لتحقيق أهداف واحدة تتماشى مع عولمة الإقتصادات.
حيال ذلك، أرى أن المطلوب منا وقفة جادة للإهتمام بمواردنا البشرية لأن الإهتمام بها يعنى أن كل موظف سيتفانى لتقديم أفضل ماعنده، وهذا كفيل بأن يدعم الدور المنتظر للحكومة لمواجهة الآثار السلبية للخصخصة والعولمة والشفافية في عمل الأجهزة الحكومية لدعم إستقرار المجتمع السعودي.
قد يبدو من التحليل السابق أن الإهتمام بمواردنا البشرية دونه صعاب وأهوال، لكن علينا أن نتذكر دوما أن الأهداف النبيلة تستحق منا العناء.