
نقلت إحدى الصحف السعودية تحميل وزير الشؤون الإسلامية صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ الداعية سعد البريك مسؤولية الاتهامات التي وجهها إلى مجموعة من الكتاب والصحافيين بالانتماء إلى تنظيم سري له قيادة، وتمويل، وموازنات، وعلاقات مشبوهة مع سفارات أجنبية، وأنهم يعملون وفق استراتيجية واحدة في استهداف المؤسسات الإسلامية. الاتهامات التي وجهها الداعية البريك (حسب قول الصحيفة) أخذت منحى تصاعدياً، بعد أن امتد الجدل حولها من خلال مهاجمة العديد من الكتاب للبريك، ومطالبة الجهات الرسمية بالتحرك إزاء اتهاماته، خصوصاً وأنهم رأوا أنها تطعن في وطنيتهم. وأضافت الصحيفة بأن هذه الاتهامات قد أعادت إلى الواجهة، قضية المخيمات الدعوية المتهمة باحتضان أفكار متطرفة، ونشرها بين الشبان المرتادين لها، من خلال الإشارة إلى حادثة البريك.
لست هنا لأدافع عن موقف الدكتور البريك ولكني أقول بأن ما ذكره ليس محض خيال وهو إجراء منظم متبع لدى الكثير من الدول التي تتمتع بالقوة في العالم الذي نعيشه ... حيث تقوم هذه الدول بتجنيد البعض من أصحاب الفكر والقلم الأجانب ممن تتوخى فيهم تحقيق مكاسب لأهدافها وسياساتها. وأعتقد بأننا سنكون سذجا لو أفترضنا خلو بلادنا من هذه الفئة التي تبيع نفسها وضمائرها لقوى أجنبية تستخدمها عند الحاجة لتمرير أفكار وخطابات تهدف إلى تهيئة الأجواء لأحداث تقع في صلب أجندة الدولة الأخرى.
أقول ذلك لأننا نرى جميعا هذه الأيام في صحفنا هجمة شرسة ضد بعض مؤسسات الدولة التي تعنى بالحفاظ على القيم والتقاليد الإسلامية وأخص بالذكر "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". في السابق كان الناس يتداولون أخبار عن بعض ممارسات رجالها والتي قد تشوبها بعض السلبية في المجالس ... البعض كان يضخمها والبعض يزيد ويحرف فيها. أما الآن ومع زيادة حرية الصحافة (وهي شيء نعتز به) أنتقلت هذه الإنتقادات والحوادث إلى الصحافة وتناول العديد من الكتاب والصحفيين هذه المؤسسة وقد يكون دافع البعض منهم حسن النية بهدف النصح والإصلاح. لكننا نرى البعض (وهم قلة بإذن الله) أصبحوا يعدون هذه الأخبار بصياغات وسياقات تضخم الواقع بشكل ينفر القارىء من رجال الهيئة.
مساحة الحرية التي أوجدتها الدولة في صحافتنا لم يكن هدفها أن تستغل لتحريض القراء ضد أشخاص معينين أو ضد جهاز حكومي شأنه شأن بقية الأجهزة الحكومية يصيب ويخطىء في أداءه لواجباته. كلنا نصيب ونخطىء ... رجال المرور والشرطة، موظفوا الجوازات والخطوط السعودية وأساتذة الجامعات كلهم يخطئون عندما يعملون. كلنا بشر معرضون للخطأ لأننا نعمل في ظروف سريعة التغير. عندما نقدر ضغوط العمل التي يواجهها هؤلاء نغض النظر بعض الشيء. فما بالنا بجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد تضاعفت أعباؤه عشرات المرات في زمن أنفتحنا فيه على العالم وأنفتحت فيه السماء وأصبحنا جزءا من هذه القرية الكونية، وفي وقت أنتشر فيه الفساد بكل أشكاله في كل اصقاع الأرض. بالتأكيد كان لابد لهذا الوضع الجديد أن يتسبب في حدوث بعض الأخطاء والتجاوزات من قبل الهيئة. لكن لا أعتقد أنه كان يجب علينا أن نضخم هذه الممارسات من خلال نشرها ناقصة بعد إخفاء أجزاء منها بالشكل الذي نراه في بعض صحفنا. صحافتنا وأقلامنا يجب أن توجه لتصحيح هذه الممارسات بشكل إيجابي لا إستفزازي يشجع الناس على الإستخفاف والإستهانة بهذا الجهاز الحكومي الذي يحمي هذا المجتمع من الشرور المحدقة به.
ولعل من المفيد هنا أن أسرد للقراء موقفا أحمد الله على أن دفعني فيه لأرى حجم التحديات التي يواجهها هذا الجهاز. عندما أعيرت خدماتي من قبل الجامعة لغرفة تجارة وصناعة جدة للعمل في مجال التدريب في عام 1412هـ كلفتني الغرفة بزيارة رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدينة جدة لكي أعرض عليه خدمات الغرفة في مجال تدريب رجال الهيئة في كيفية التعامل مع الجمهور في وقت زاد فيه الهرج والمرج بين المواطنين والمقيمين حول إساءات تعرض لها الناس في مدينة جدة من قبل رجال الهيئة. ذهبت إلى مكتب رئيس الهيئة بعد أن أخذت موعدا من مدير مكتبه. لاحظت عند دخولي عليه أنه قد أخلى مكتبه من المراجعين. بعد أن رحب بي قلت له "لعل الحماس قد تمكن من بعض رجال الهيئة وتصرفوا بطريقة قاسية بعض الشيء فأساؤا للبعض دون قصد" ... وعرضت عليه إمكانية قيام غرفة جدة بعمل دورات تدريبية لرجال الهيئة في مجال التعامل مع الجمهور. وقتها نظر إلى بإبتسامة واثقة وقال لي أريدك أن تنظر إلى هذه الأمور التي سأضعها أمامك ... وأراني بعض الأمور التي لا أجرؤ على ذكرها في هذه المقالة. قلت له وقد تملكتني الدهشة .. هل وجدت هذه في أسواقنا؟ وهل تم ضبط هذه الحالة في مجتمعنا؟ وهل صحيح أن من قامت بهذا العمل إمرأة سعودية؟ أمور للأسف تندى لها الجبين. وقتها أختلطت المشاعر في داخلي وسارعت بإنها الإجتماع وقلت له "جزاكم الله عنا كل خير ولا نملك إلا نسأل لكم العون من عند الله".
الأمور الشاذة التي كانت تحدث في مجتمعنا وكانت تكافح من قبل رجال الهيئة وقت زيارتي لرئيس الهيئة في جدة قبل 17 سنة، أظنها كانت تعد على الأصابع. اليوم اصبحت منتشرة بشكل واسع ونراها بأعيننا في الشارع بين الحين والآخر بل وتؤكدها الصحف في كثير من الأحيان. أتساءل اليوم ... أليس مانراه اليوم يعد مؤشرا حقيقيا لمدى حاجتنا لمثل هذا الجهاز الهام في حياتنا؟ وإذا كانت هناك على هذا الجهاز ملاحظات فكل أجهزة الحكومة عليها ملاحظات. لكن ما يتسم به هذه الجهاز هو أن مجمل تعاملاته مع خروقات وحالات شاذة ومتطرفة لا يقبلها المجتمع السعودي برمته وليست حالات عادية يمكن التغاضي والتسامح فيها. وأعتقد أن من واجبنا كمواطنين أن نكون عونا لكل من يريد أن يثبت دين الله في أرضه. إن شحن الأجواء ضد رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صحافتنا تحت مسمى حرية الصحافة قد دفع المواطنين إلى أخذ فكرة مسبقة وموقف ضدهم بشكل لا يخدم مستقبل بلادنا وهويتنا الإسلامية التي يسعى أعداء هذه الأمة لضربها.
أعود لما ذكرته الصحيفة حول اتهامات الدكتور سعد البريك لمجموعة من الكتاب والصحافيين بإنتماءهم لتنظيمات وعلاقات مشبوهة مع سفارات أجنبية. أقول بأن تحميل وزير الشؤون الإسلامية الدكتور سعد البريك مسؤولية الاتهامات ليس في نظري ليس المهم. مربط الفرس هنا هو أن نركز على وجودنا نحن في هذه الدولة التي لا يمكن لأي مواطن أن يتجلى إلا عبر مؤسساتها. المؤسسات التي تحمي صورة وثقافة الإنسان السعودي بكل قيمه وسماته وخصائصه في هذا الزمن الردىء. إن لم نفعل ذلك ونركز على هويتنا وقيمنا فإننا سنتحول إلى أمة تلحق السراب لتقتات على فتات الأمم الأخرى.