.jpg)
من خصائص المجتمعات البشرية أنها تطالب حكوماتها دوما ببذل المزيد والمزيد من الجهود للرقي بالمجتمع من كافة جوانبه الاجتماعية والاقتصادية. لكن فيما يخص المجتمع السعودي فإنه يبدو أن نسبة ليست بالقليلة من مجتمعنا لا تنفك عن ترديد قصور وسلبيات قرارات الأجهزة الحكومية بشكل قاس وكأنها تمتلك كامل الحقيقة لصورة الأوضاع والظروف التي أدت إلى صناعة مثل هذه القرارات. جميل أن يكون لنا رأي في القرارات التي تصدرها الحكومة وجميل أكثر أن يكون للمواطن ما يسهم به لتحسين القرارات عبر القنوات المتاحة. مساحات الرأي في تحسين القرارات لدينا لا أزعم أنها كثيرة، لكنها موجودة، منها ما هو مشاهد للعيان عبر الصحافة والإذاعة والتلفزيون وشبكة الإنترنت التي يطلع عليها الجميع، ومنها ماهو غير مشاهد للجميع وذلك من خلال المجالس والهيئات وغيرها. لكن عند التركيز على الجوانب المشاهدة لنا وبالذات في الصحافة أو عبر شبكة الإنترنت نستشف أن هناك قصورا كبيرا في درجة وعي وثقافة المواطن، والبعض منهم يستغل مساحة الحرية هذه، بقصد أو بدون قصد، لبث البلبلة والتقليل من شأن القرارات الحكومية. هنا لا أزعم أن جميع قرارات الجهات الحكومية تتحلى بالصواب المطلق ولست مدافعا عن هذه القرارات وأرى أن نسبة كثيرة منها كان يمكن أن تحسن وتشذب وتصدر بطريقة أفضل، لكن رغم ذلك أقول إن من أصدر ذلك القرار له ظروفه. ما أريد التركيز عليه هو ما نشاهده في بعض صحفنا من انتقادات من يكتب للصحافة أو من ينشر انتقاداته عبر شبكة الإنترنت من دون دراية أو معرفة متعمقة بجوانب القضايا التي تعالجها القرارات الحكومية. نشر مثل هذه الانتقادات في الصحف وشبكة الإنترنت لا أشك أن له بعض الجوانب الإيجابية، لكن في اعتقادي أن هناك من الأضرار التي قد لا تظهر في حينها وتسهم في ترسيخ الانطباع السلبي على المدى الطويل. إن نظرة سريعة إلى ما يكتب في صحفنا من رأي ونقاش إنما يكشف هذه الظاهرة بجلاء. أحدهم على سبيل المثال (وفي تركيبة عجيبة) ينتقد قرار ابتعاث 50 ألف طالب وطالبة خلال خمس سنوات بحجة أن هؤلاء المبتعثين سيحتاجون إلى وظائف تلبي طموحاتهم بعد التخرج وأن هذا القرار لم يأخذ في الاعتبار أن عدد العاطلين عن العمل في السعودية يصل لأكثر من 300.000 عاطل. ويضيف أنه قلق على المستقبل الوظيفي لهؤلاء الـ 50.000 مبتعث بعد تخرجهم مستشهدا بمقولة وزير العمل السعودي ورغبته في أن ينسى المواطن السعودي أن هناك وظيفة مضمونة.شخص آخر وزع على الإنترنت صورا جميلة عن باصات أطفال المدارس في اليابان المهيأة بتأثيث وسجاد جميل قادر على امتصاص صدمات سقوط الأطفال داخل الباص مع وسائل الراحة والألوان التي أخذت في الاعتبار المرحلة العمرية للأطفال، وأرفق تعليقات ساخرة يقول فيها "شوف باصات مدارس الأطفال اليابانيين من الداخل، الله يخلف علينا ويخلف على عيالنا، مازلنا في الباصات الصفرا إذا طاح أي طفل ينفقش من طيحته على حديد". بريد إلكتروني آخر يطلعنا بالصور والجداول البيانية على مراحل بناء مطار ضخم في اليابان، يقول المرسل فيه "لاحظوا في الجدول الأخير المدة اللي تم فيها إنشاء المطار (أقل من المدة التي استغرقت لبناء كوبري الستين في جدة- و الذي لم يجهز بعد) ". هذان البريدان وزعا بشكل هائل لأعداد كبيرة من المتعاملين بالإنترنت. مجرد التوزيع وإعادة التوزيع يؤكد عدم استيعابنا لأمور بديهية.مثل هذه الأمثلة توضح لنا قصور الوعي والإدراك والثقافة لدى الكثير من أبناء هذا الوطن. فقرار الابتعاث جاء ليسهم في بعض الحلول التي لم تكن موجودة والاهتمام بتوظيف هؤلاء الآن ليس القضية. القضية الملحة هي تعليم الشباب وتحصينهم بالدراسة ليستطيعوا الوقوف على أقدامهم في مواجهة التغيرات الهائلة التي أصابت وستصيب سوق العمل السعودي. أما قضية باصات مدارس الأطفال في اليابان فليست مقصورة على اليابان وحدها ومتى كانت الفكرة مقبولة لدينا فلا أعتقد أن هناك ما يمنع تنفيذها. أما قضية مدة تنفيذ مطار اليابان فأي متابع لزمن تنفيذ المشاريع يعرف أن ظروفا ومعوقات كثيرة تسهم في زيادة أو نقص الفترة الزمنية لتنفيذ المشروع وهذه تختلف من دولة لأخرى ومن مجتمع لآخر. وإذا كانت المملكة من الدول التي تملك المال اللازم لتنفيذ مشاريعها إلا أن بين جنباتها معوقات كثيرة تبرز على السطح وقت التنفيذ تؤخر تسليم المشروع. أختتم وأقول إننا نواجه مشكلة لا أريد أن أضخم أو أقلل من شأنها. أعتقد أننا نجحنا إلى حد كبير في التحديث والتطور التكنولوجي والصناعي والعمراني... لكن ذلك لم يرافقه تطور ثقافي لعقلية المواطن السعودي. المشكلة موجودة وتحتاج إلى ضخ المزيد المزيد من الوعي والثقافة في عملية بناء الفرد السعودي ليستوعب ويدرك ما يدور حوله بشكل سليم.