العربية

111

اللغة الإنجليزية....مشكلة في إدراكنا






نحن بلا شك نجني اليوم ما زرعناه الأمس في فكرنا من مفاهيم. عندما أقول نحن، فأنا أعني جميع فئات وشرائح المجتمع السعودي التي قدر الله لهم أن يولدوا في هذا الزمان الذي نحصد فيه ما زرعه غيرنا. الحق يقال إننا نحصد الكثير الكثير من الإيجابيات. لكن بالمقابل هناك بعض السلبيات التي يجب ألا نمر عليها مرور الكرام دون أن نمحصها. ومن ضمن هذه السلبيات نظرتنا إلى "تعلم اللغة الإنجليزية" والتي أخذ النقاش والجدل فيها مناحي عجيبة أدخلتنا في تفاصيل حجبت عنا رؤية مصالحنا.في نظري أن العالم يمر حاليا بمنعطفات تاريخية علينا أن نقرأها بشكل سليم وأن "ندركها" بشكل منطقي بما حبانا الله من ميزة العقل. ليس سرا القول بأن الغالبية العظمى من خريجينا غير ملائمين للعمل في القطاع الخاص بسبب عدم تمكينهم أثناء دراستهم من اللغة الإنجليزية. لقد استطاع البعض منا إيقاف عجلة الزمن من خلال كبح أي مشروع لتعليم هذه اللغة لأسباب كثيرة أهمها الخوف والهلع على لغتنا العربية وكأنها لغة قاربت على الاندثار. والنتيجة اليوم هي شكوى آلاف الخريجين من المأزق الذي وضعوا فيه وكثير منهم يتمنى لو أنه لم يتخرج بهذه الشهادة التي لا تتوافق مع احتياجات الواقع. تعلم اللغة الإنجليزية في نظري لا علاقة له بإضعاف لغتنا العربية، لغة القرآن، إلا إذا نحن قصدنا إضعافها. ولست أرى أحدا يريد إضعافها إلا في خيالنا. لقد ترعرعت في أحضان اللغة العربية وسافرت إلى الغرب وعشت فيه زمنا للدراسة مكنتني من دراسة وكتابة لغتين جديدتين، الإنجليزية والفرنسية. لم تنسني هاتان اللغتان لغتي الأم بل في الواقع زادتاها صلابة وقوة. لم أتعلم لغتهم فقط... عرفت كيف يفكرون وكيف ينظرون ويفسرون الأمور من حولهم. والأهم من ذلك كله أنني لو لم أتعلم لغتهم لما استطعت أن أعرفهم على بلادي، وأن أشرح الإسلام لهم. تشير الإحصاءات إلى أن هناك أكثر من 20 ألف أمريكي يدخلون الإسلام سنويا. لم يدخلوا الإسلام نتيجة تقوقعنا على أنفسنا بل لأننا انفتحنا عليهم في هذا الزمن الذي يشتكي فيه الغرب من التيه والضياع الذي أفرزته عليهم حضارتهم المادية. اليوم أصبح اسم محمد ثاني الأسماء الأكثر انتشارا في بريطانيا حسب دراسة نشرتها صحيفة تايمز استنادا إلى مصادر حكومية. اسم "محمد" أصبح أكثر الأسماء انتشاراً في بريطانيا بعد اسم "جاك"، ويتوقع لاسم "محمد" أن يحتل المرتبة الأولى قبل نهاية السنة الحالية. حيث قد أطلق اسم محمد في عام 2006 على 5991 مولوداً في مقابل 6928 لاسم جاك و5921 لتوماس و5808 لجوشوا و5208 لأوليفر.وقبل أيام قلائل خرجت مجلة "تايم آوت" اللندنية، بغلاف أخضر اللون يتصدره عنوان بالعربية يقول "هل مستقبل لندن إسلامي؟". تصور مجلة بريطانية باللغة الإنجليزية يأتي غلافها باللغة العربية! يذكر رئيس تحريرها في تقديم العدد أن "الدين الإسلامي هو أكبر الديانات وأسرعها نمواً بين أديان المقيمين في العاصمة البريطانية"، مشيرا إلى أنه منذ التعداد السكاني الأخير الذي أُجري في عام 2001 تجاوز عدد المسلمين المقيمين في لندن مستوى 607 آلاف من أصل حوالي 1.5 مليون مسلم في بريطانيا يتحدرون من أعراق ودول مختلفة. ولاحظ أن الشكوك تزداد في مستقبل العاصمة التي "قد تتحول إلى مدينة إسلامية مستقبلاً". وحض طومسون القراء على بدء حوار في هذا الشأن.ويؤكد هذا الاتجاه ماجاء في كتاب: بدون جذور: الغرب، النسبية، المسيحية، والإسلام للمؤلفين: جوزيف راتزينجر (بابا الفاتيكان الحالي "بنديكت الـ16") ومارشيلو بيرا (رئيس مجلس الشيوخ الإيطالي)، من أن "أوروبا تواجه الآن أزمة هوية جعلتها عاجزة وغير راغبة في الدفاع عن ثقافتها المسيحية ضد الإسلام العنيد.. كما أن انخفاض معدلات الإنجاب في أوروبا يعكس فقدان الرغبة في البقاء، حيث إن انخفاض معدلات الميلاد في الأوساط المسيحية الأوروبية يخلف وراءه فجوة سكانية يتم ملء فراغها بمهاجرين جدد من المسلمين الذين يمثلون تهديداً للهوية المسيحية الأوروبية مثلما يمثلون تهديداً للديموقراطية الأوروبية. كما أن فقدان الرغبة في التمسك بالثقافة الدينية المسيحية يعكس فقدان الرغبة في حماية الأجيال المسيحية الكاثوليكية من الأخطار التي تنتظرها. وهو ما يعني أن على أوروبا استعادة هويتها المسيحية".ويخلص الكاتبان إلى أن على أوروبا أن تعمل من أجل حماية إرثها المسيحي وأن تبذل كل جهد للتأكيد على أن المسيحية أفضل من الإسلام. بل والأفضل من ذلك أن تبذل أوروبا كل ما في وسعها لمقاومة الإسلام". وهل بعد هذا الكلام أي كلام؟ إسلامنا اليوم على المحك.والحل في نظري، ليس التقوقع والانعزال والالتفاف حول لغتنا بشكل متشنج، بل الانفتاح على لغتهم لنعرفهم على حقيقتهم، لأن معرفتنا بحقيقتهم ستسهل علينا مهمتنا نحن في التعريف بديننا وقيمنا الحقيقية، وأن نعرفهم من نحن. نحن الآن في مرحلة جديدة تتجسد فيها توجهات وكلمات المصطفى صلى اللّه عليه وسلم عندما مات أبو طالب واشتد أذى قومه له، فخرج إلى الطائف راجيا أن يؤووه وينصروه. لكن عوضا عن ذلك أذاقوه أشد من قومه، ورماه سفهاؤهم بالحجارة حتى دميت قدماه، فانصرف راجعاً إلى مكة حزينا فدعا ربه فأرسل إليه ملك الجبال الذي سأله أن يطبق على قومه الأخشبين فقال: "بل أستأني لعل اللّه أن يخرج من أصلابهم من يعبده".هذا بلا شك عندي يتحقق اليوم وبسرعة مذهلة.