.jpg)
شهد التعليم العالي في الولايات المتحدة الأمريكية ارتفاعا هائلا في التكلفة خلال العقد والنصف الفائتين وذلك بنسبة 63% في الجامعات الحكومية و 47% في الجامعات الخاصة حسب ما نشر في آخر عدد من مجلة "BusinessWeek" العربية والتي أجرت تحقيقا حول التكلفة الفعلية للتعليم الجامعي للأمريكيين مشيرة إلى أن هذه التكلفة تفوق طاقة وقدرة طلابهم. ويقول التقرير إن الأوضاع الاقتصادية لمن يبلغون الثلاثين سنة من عمرهم تسير إلى الأسوأ، لأن الشهادة الجامعية أصبحت هي الحد الأدنى الذي يتطلبه سوق العمل ولأن نسبة كبيرة من طلاب هذا الجيل قد اقترضوا مبالغ طائلة لن يتمكنوا من سداد هذه القروض التعليمية كاملا قبل بلوغهم سن الخمسين. أي إن الإقساط الشهرية لهذه الديون ستقتطع ما نسبته 12% من رواتبهم بعد التخرج وهي نسبة كبيرة، كما يراها كثير من الخبراء الاقتصاديين، ستجبر هؤلاء الخريجين على تأجيل أحلامهم مما يرغمهم على تغيير خطط عملهم وتأخير شراء منزل وتأجيل الزواج وتأخير الإنجاب. هذا حال الطالب الجامعي الأمريكي... أما في بلادنا فعلى السطح تبدو أن الأمور مطمئنة بالنسبة للطالب السعودي الجامعي الذي يتمتع بمزايا كثيرة من أهمها الدراسة المجانية والمكافأة المالية التي تعينه على الدراسة في المباني الجامعية الحديثة والتي تتوفر فيها الكثير من أسباب التحصيل العلمي. رغم ذلك، يرى العديد من أعضاء هيئة التدريس تفشي ظاهرة التشاؤم والسلبية بين طلاب الجامعة. سلبية الطالب الجامعي السعودي يمكن أن تلاحظ في أولا التغيب عن المحاضرات وافتعال العديد من الأعذار، وثانيا عدم التحضير والقراءة المسبقة بهدف المناقشة والمشاركة مع أستاذ المادة وبقية الطلبة أثناء المحاضرة، وثالثا عدم زيارة أستاذ المادة في مكتبه إلا لاستشفاف طبيعة أسئلة الامتحان ومعرفة الفصول المحذوفة، ورابعا سعي الطالب لتحقيق الحد الأدنى من متطلبات المادة والتخرج بأي معدل.وعند سؤال الطلبة عن أسباب هذه السلبية نجدهم يتذمرون من بعض الأمور مثل إرهاق الأساتذة لهم بالواجبات والأعمال والبعض يشير إلى صعوبة تعامل بعض الأساتذة مع الطلاب وعدم عدالتهم في تقييم الطلاب... لكن البعض منهم يفصحون عن أسباب عميقة تتمثل في عدم الاطمئنان لمستقبلهم وتدني معنوياتهم بسبب عدم وجود وظائف حكومية وما هو متاح الآن هي وظائف في القطاع الخاص تتسم بكثرة العمل والضغوط النفسية وقليلة العائد. مثل هذه الإجابات السلبية ما هي إلا نتيجة تشاؤم متراكم لوضع وحالة سوق العمل في بلادنا. نتائج هذا التفكير التشاؤمي خطيرة جدا ويجب ألا نمر عليها مرور الكرام. سلبية الطالب الجامعي لن تنعكس على الطلاب فقط بطريقة تشوه مخرجات التعليم الجامعي بل ستمتد إلى النظام التعليمي الجامعي برمته وإلى أستاذ الجامعة بصفة خاصة إلى درجة أن البعض منهم حاليا يتساءل عن مغزى قضائه الساعات الطويلة للتحضير لمحاضرات يحضرها كثير من الطلاب بأجسادهم بينما عقولهم في مكان آخر، ناهيك عن جدوى جلوسه الساعات المكتبية ينتظر طلابا يريدون أن يتعلموا ولا يجدهم.ويبدو أن هذا الوضع السلبي يزداد في التمدد بين الطلاب وأعتقد بأننا نحتاج إلى سياسات حكومية جديدة تصاغ وتنفذ بعناية بحيث تتبنى أولا التخفيف من الضغوط الهائلة التي تمارسها وزارة العمل حاليا لتطويع القطاع الخاص لتوظيف السعوديين بطريقة قسرية تؤثر سلبا على طالب الوظيفة وعلى المؤسسة الخاصة على حد سواء. تؤثر سلبا على طالب الوظيفة لأن عينه تتركز على رغبته الأولى في الوظيفة الحكومية المريحة نوعا ما، و تؤثر سلبا على المؤسسة الخاصة لأن عينها متركزة على الموظف الوافد الذي تفضله لأن مجمل ظروف الوافد ستضطره للعمل بإنتاجية عالية وتحت ظروف استثنائية لا يقبلها المواطن. وثانيا قيام الدولة بتسريع عملية إعادة تنظيم الأجهزة الحكومية بما يكفل ضخ دماء سعودية شابة على وظائفها الرسمية وبحث شراء سنوات التقاعد المتبقية من الموظفين وشيكي التقاعد وإعادة فتح التعيين في وظائف الحكومة خاصة في الجهات الحكومية التي تشكو من قلة الموظفين والتي علا صوتها وتسببت في خلافات بينها وبين وزارة المالية التي تقرر حجم التوظيف في الأجهزة الحكومية. إن عقد مقارنة تحليلية بين الظروف القاسية التي يمر بها الطالب الجامعي الأمريكي في بلده والظروف التي يمر بها الطالب الجامعي السعودي يفرض علينا التفكير الجاد في أن ما تنفقه الدولة على التعليم العالي يجب أن يؤخذ في الاعتبار بشكل جدي للتأكد من أن عائد هذا الإنفاق مضمون للمجتمع. والحل لا يكمن في وزارة واحدة بل في تكاتف جميع الوزارات ذات العلاقة بالموارد البشرية السعودية لكي تبتكر المعادلة الصعبة الكفيلة بالقضاء على الروح السلبية للطالب الجامعي لدينا الذي لا يشكل تحدي حاضرنا بل هو مستقبلنا الذي نعتمد عليه بعد الله عز وجل.