
مقالتي اليوم تعكس الجانب المضيء لواقع نسبة كبيرة من زملائي أعضاء هيئة التدريس وهم يتفاعلون مع طلابهم في تدريس المواد المنوطة بهم. لقد مكنت المرونة التي تمنحها الجامعة لعضو هيئة التدريس (في حوالي 40% من إجمالي الدرجات) لتكليف الطلاب بواجبات تضاف فيما بعد إلى الـ60% امتحانات نصفية ونهائية) تشكل تقييم الطالب النهائي في المادة.
قبل سنوات قليلة كنا نعاني من توصيل كم إضافي من المعلومات للطلاب لعدم استخدام الطلاب للبريد الإلكتروني. اليوم وبفضل الله ثم بفضل الجامعة التي نثرت بعض الآليات البسيطة والصغيرة هنا وهناك كان لها أثر حاسم في زيادة وعي الطلاب بالتكنولوجيا الرقمية. أمثلة بسيطة لهذه الآليات، صرف بدل استخدام حاسب آلي للأستاذ، مواقع لأعضاء هيئة التدريس، تدريب الطلاب على الحاسب الآلي، وإيجاد ملاذات للطالب لكي يستغل أوقات الفراغ بين المحاضرات داخل الجامعة في أماكن ترفيهية مزودة بشبكات الحاسب الآلي. لقد كان من نتائج هذه التعديلات البسيطة في البيئة الأكاديمية بالجامعة أن مكنت وشجعت أستاذ المادة من إعادة تشكيل وصياغة التكليفات التي يعطيها لطلبته. ولأنني خضت تجربة أعتز فيها مع طلابي فقد رأيت أن أسلط عليها بعض الضوء لتعميم الفائدة.
فإذا أخذنا، على سبيل المثال، مادة الحكومة الإلكترونية والتي تعنى بتقديم نظرة فاحصة لمشروع الحكومة الإلكترونية وكيفية الاتصال بينها وبين بيئتها المتسعة والتحديات التي تواجهها، فقد تم تكليف كل طالب بعمل مدونة (BLOG) على شبكة الإنترنت من خلال الموقع الشهير Google يقوم فيه بمحاكاة أهم 20 عنصرا لموقع إلكتروني تابع لجهاز حكومي محدد ومن ثم يقوم الطالب في مدونته بتقييم نفس الموقع الإلكتروني الحكومي من خلال 50 معيارا مختلفة (منها سرعة تحميل الصفحات، صلاحية الوصلات في الموقع، توفير وسيلة الاتصال بالبريد الإلكتروني والتفاعل معه، تجربة الاتصال بالهاتف في حالة وجوده والتأكد من الرد، سهولة استخدام الموقع ووجود هيكلية واضحة، إمكانية البحث داخل الموقع والتأكد من ذلك باستخدامه، إمكانية التحكم في طباعة المحتوى من خلال توفير نموذج مبسط مخصص للطباعة، جودة اللغة من حيث القواعد، والإملاء ومناسبتها للفئة المستهدفة، استخدام خطوط واضحة ومقروءة في العناوين والنصوص، تفاعل الموقع بإعطاء ردود فورية عن بعض الأسئلة، توافر آخر الأخبار والفعاليات للجهة، مدى توافر روابط لأرشيف شامل لمواد سابقة، توافر خدمات إلكترونية مفتوحة لعموم زوار الموقع تحفز الزوار للإسهام في إثراء محتواه ومدى احترام الموقع لعقلية الزوار.
خلال بناء الطالب لهذه المدونة وتقييمه للموقع الحكومي يقوم بإرسال مدونته عبر البريد الإلكتروني للمادة بصفة دورية لمراجعتها من قبلي حيث كنت أقوم بتسجيل ملاحظاتي وإعادتها له إلكترونيا.
لم تنحصر تجربتي على طلبة مادة حكومة إلكترونية بحكم طبيعتها بل تعدت إلى المواد الأخرى. فمثلا كلفت طلاب مادة تطوير تنظيمي بعمل مدونة أيضا ولكن بأسلوب آخر. حيث طلب من كل طالب عمل مدونة بعنوان محدد يتم فيه اختيار أحد موضوعات التطوير التنظيمي مثل، الأداء العالي والإبداع والابتكار، الأزمات والمشاكل بين الأجهزة الحكومية، استشاري التطوير التنظيمي، ضغوط العمل، الإصلاح الحكومي، الواسطة والمحسوبية، الانغلاق التنظيمي، البحث العملي، البيروقراطية، الهياكل التنظيمية، جمود اللوائح والقوانين وتبسيط الإجراءات الإدارية. كان على الطالب أن يبحث في شبكة الإنترنت عن مواضيع في المجال المحدد له ثم رصده مدونته على الشبكة.
كل أستاذ بالطبع له طريقته في التعامل مع التكاليف التي يكلف بها طلابه لكن يمكن القول بأن ظاهرة التكاليف الإلكترونية التي تكسب الطالب مهارة التعامل مع شبكة الإنترنت في البحث والاطلاع قد أخذت بعدا جديدا يستحق المتابعة. اليوم نستطيع القول بأن طلابنا هم نواة حقيقية لمجتمعنا الآخذ في التحول إلى المجتمع الرقمي. تعامل الطالب اليوم مع الجامعة حتى قبل قبوله أصبح الآن إلكترونيا وما يقوم به الكثير من أساتذة الجامعة أثناء تدريسهم هو دعم لهذا التوجه. الحاسب الآلي والتقنية الرقمية غزت كل أوجه حياتنا والحكومة الإلكترونية بطاقتها القصوي تدق الأبواب وأقل ما يمكن عمله اليوم في جامعاتنا هو إكساب الطالب المهارات الأساسية بما يساعده على التفاعل مع بيئته الرقمية وكيفية حل المشاكل التي سيواجهها.