العربية

111

الأستاذ الجامعي ورسالته




يلعب الأستاذ بالجامعة دوراً أساسيا في إعداد وتأهيل مخرجات التعليم الجامعي بالمملكة حيث تعد وظيفته من أهم وظائف صياغة وتشكيل الأجيال القادمة وإعدادهم لمواجهة ما ينتظرهم من أدوار هامة في مجتمعاتهم. رغم ذلك، فإن هناك عوامل كثيرة تؤثر على الأستاذ والطالب معا بحيث لا يستطيع الاثنان تقديم أفضل ما لديهما. من هذه المعوقات ما أفرزته البيئة الجامعية السعودية من خلق أجواء قذفت بالأستاذ والطالب في إشكالية "المعدل الدراسي" والذي يؤثر على الطالب في جوانب متعددة. استخدامات الجامعة لـ"المعدل الدراسي" في اتخاذ القرارات كثيرة لكن أهمها عدم قدرته على التخرج إلا بمعدل محدد وعدم تمكينه من التحويل من كلية إلى أخرى أو من قسم إلى آخر يرغبه إلا بمعدل محدد آخر وذلك تبعا لشروط الأقسام والكليات وإمكاناتها المادية والبشرية.
وفي الحقيقة ليست لدي أي مشكلة من هذا المبدأ الذي يستخدم في جامعاتنا سوى أنه يفترض في الأساس وجود "بيئة أكاديمية سليمة" غير موجودة في مجتمعنا. "البيئة السليمة"، في نظري، تتكون من خمسة عناصر. العنصر الأول، أستاذ جامعي مقتدر توفر له الجامعة الاستقرار الاجتماعي والنفسي. العنصر الثاني، طالب دخل الجامعة لأنه يؤمن بالتعلم والتحصيل العلمي. العنصر الثالث، بنية أساسية من فصول دراسية ومختبرات ومعامل متوافقة مع احتياجات الأستاذ. العنصر الرابع، موظفون مقتدرون ومتمكنون من إدارة كل هذه العناصر بشكل يخدم العملية التعليمية التي يشكل طرفاها أستاذ الجامعة والطالب. العنصر الخامس، والأهم في نظري، بيئة تنظيمية تتحرك فيها عشرات بل مئات النظم الديناميكية المتناسقة والتي تتفاعل باستمرار لخدمة "أهداف الجامعة".
"العنصر الخامس"، والأهم في نظري، تأثر بشكل كبير وأصبح يؤثر بشكل سافر على بقية العناصر الأخرى لدرجة أنها أحدثت شروخا في "أهداف الجامعة الحقيقية" وليست المعلنة. العنصر الخامس أصبح بيئة تنظيمية مطوعة لخدمة كل شيء ما عدا أهداف الجامعة... وإلا كيف نفسر قيام الطلبة بعمل المستحيلات لرفع معدلاتهم بدءا من السعي وراء الملخصات وعدم استساغة الامتحانات التحريرية وبروز مكاتب البحوث لخدمة الطالب وانتهاء باستجداء الأساتذة لرفع المعدل لكي يخدم هذا المعدل هدفا آخر ليس لـ "التعلم" فيه أي نصيب.
نحن نعيش حالياً عصرا تغيرت فيه كل المعايير والقيم. ويبدو لي أن القادم من الأمور ستكون مصيرية. جامعاتنا السعودية، ولا أقولها غرورا، تحتضن بين جنباتها أفضل خبرات العالم أجمع لكن بيئتنا التنظيمية خذلتها ولم تمكنها من الاستفادة من هذه الخبرات. كان يفترض بجامعاتنا أن تكون "القاطرة" القوية التي تجر خلفها هذا المجتمع نحو التنمية السليمة لا أن تكون رهينة للرياح السلبية التي هبت على هذا المجتمع والتي تسببت في خلخلة كبيرة في قيمه ومعتقداته.
الأستاذ الجامعي تعلم الكثير ويعلم أن له رسالة نبيلة وهو مقتنع بتأدية هذه الرسالة... لكنه إذا لم يجد البيئة التي تريد أن تنهل بشغف من علمه فهو كغيره من البشر سيحاول مرة ومرتين وثلاثاً حتى يصيبه الإحباط الذي قد يغير اهتماماته لتنحصر في كيفية البقاء على السطح.
حدثني أستاذ من جامعة في دولة عربية مجاورة، أنه كلف بتصحيح أكثر من 24 ألف ورقة امتحان نهائي اضطر على إثرها لاستئجار سيارة لنقل هذه الأوراق والاستئذان من أصحاب العمارة لحجز مصعد العمارة لفترة من الزمن وبعد أسبوع أرجع الأوراق إلى الجامعة متبعا نفس الأسلوب. سألته هل لديك جهاز تصحيح آلي... قال كلا الأجوبة كانت تحريرية. سألته... كيف صححتها؟ قال لي ... لا تسأل.!!!!