العربية

111

تحديات في طريق تأصيل الاعتدال




لفت نظري في المحاضرة التي ألقاها سمو الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة بجامعة الملك عبدالعزيز بعنوان "تأصيل منهج الاعتدال السعودي" استشعاره بمسؤوليته كأمير منطقة حين جاء للجامعة لتسليم رسالة إلى كل ذي عقل. الرسالة التي استشفيتها من حديث سموه أنه لن تكون لهذه البلد قائمة ما لم يصطف الجميع حول منهج الاعتدال لأن التحديات التي تواجه المجتمع السعودي من الكبر والضخامة بشكل لا يخدم وحدة هذه البلاد وتقدمها. هذا ما فهمته أنا ... وأرجو أن أكون مصيبا.
كنت واحدا فقط من الحاضرين الذين شاهدوا بأم أعينهم اشتعال شرارات الحماس بين الطلاب والأساتذة وضيوف الجامعة بما قاله خالد الفيصل. كان موفقا إلى أبعد حد في توصيل رسالته كمسؤول للمواطن. ما نحن بحاجة إليه الآن لتعزيز هذه الثقافة هو تخلخل هذه الأفكار في أعماق مجتمعنا. هناك مازال الكثير من أفراد هذا المجتمع من المبهورين بالحضارة الغربية ولا يمانعون من القفز في الظلام لتحقيق ما يرونه (في نظرهم) صالحا لهذه البلاد. وهناك في المقابل من أفراد هذا المجتمع من أصابه الهلع والفزع لما يمكن أن تؤول إليه بلادنا من جراء عجزنا المتواصل عن مواجهة الهجمة الإعلامية والفضائية والفكرية الشرسة التي حمل لواءها الغرب والتي تسببت في تهميش ثقافتنا.
إن الصراع الخفي بين هاتين الفئتين لن يجر مجتمعنا إلا لمزيد من التخندق والتشرذم والضعف الذي سيجعلنا طبقا جاهزا في موائد اللئام. إن أفضل حل في نظري المتواضع لدعم "ثقافة الاعتدال" يكمن في تعميق وترسيخ "الانتماء" لهذا البلد. هذه البلاد الخيرة التي تحتضن أغلى رموز الكون كله مكة المكرمة والمدينة المنورة. إن ترسيخ الانتماء يعني اقتلاع كل أثر تسببت فيه الجزئيات البائسة من ثقافة مجتمعنا التي أشاعت الفساد والاتكالية وحب الذات وقلصت مساحات العدل والمساواة بين أفراد المجتمع الواحد. وقتها فقط لن يجد أي فرد، منا أو من غيرنا، فرصة أو ثغرة يستطيع من خلالها التأثير سلبا على عقولنا وفكرنا.
وقتها فقط لن نكون من متلقي الثقافات الأخرى بل سنكون من القوة بحيث نصدر ثقافة الإسلام الحقيقي كما أتى به رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ونكون بذلك قد أدينا رسالتنا في الحياة.
الطريق طويل وشاق لكن أجزم بأننا قد بدأنا ...
فلأميرنا المحبوب خالد الفيصل كل الحب والتقدير على قيامه بدوره كرجل أحس بمسؤوليته للالتقاء بنا، وما "الكرسي العلمي" الذي تبناه لخدمة تأصيل منهج الاعتدال السعودي إلا لبنة خيرة لن تخدم هذا الوطن فقط وإنما ستشع على رسالة هذا الوطن في خدمة الإسلام والمسلمين.