العربية

111

دور الجامعات في درء العنصرية بين الشباب







التدريس في الجامعة، ولله الحمد، منحني عينا ثالثة تساعدني في إدراك ما حولي بطريقة أكثر منطقية. وفي محاضراتي للطلاب أحاول دائما أن أربط بين المادة العلمية المطلوبة وبين الواقع الذي نعيشه بكل إشكالاته وتعقيداته. مؤخرا، وفي مادة "السلوك التنظيمي"، وبينما كنت أتحدث حول ما يكتنف ترقية الموظف إلى وظيفة إشرافية وقيادية من أمور لا تدور في حسبان الموظف. من هذه الأمور أن الوظائف الإشرافية والقيادية لا يحصل عليها الجميع وللإدارة العليا نظرة فيمن يفترض أن يشغلها. هذه الوظائف تتطلب موظفين استثنائيين من أهم صفاتهم الموضوعية وعدم التفرقة بين الموظفين بناء على خلفياتهم وانتماءاتهم وسماتهم وأنماط شخصياتهم. وفي مداخلة لأحد الطلاب قال.. "لا أعرف لماذا أجد من حولي بعض الناس الذين لا أطيقهم ولا أستسيغهم بسبب....."، في إشارة عنصرية إلى بعض شرائح المجتمع. قلت له - وهذا ما أقصده -... موظفو المراتب القيادية يجب أن يتحلوا بصفات لا توجد في جميع الأشخاص، وإذا أردت في يوم من الأيام أن تصعد في السلم الإداري فعليك أن تمتلك صفات استثنائية تمكنك من احتواء الآخرين وحشدهم في صفك ليخدموا أهداف الإدارة التي تديرها وتقودها، لأنه من الغباء أن تقوم الإدارة العليا باختيار أشخاص في مواقع قيادية تتسم بفن التعامل مع الآخرين وبالتحدي والإبداع، في أيدي هواة من مثيري النعرات والعنصرية.وقتها دخل طالب آخر في الحديث وقال... لكن كيف نصل إلى مبتغانا وهناك من لا هم له إلا إثارة النعرات في مجتمعنا من خلال البلوتوث وشبكة الإنترنت؟ أحسست حينها بأنني لا أملك إجابة لهذا السؤال لجهلي بحجم هذه الظاهرة. ولرغبتي في مزيد من التفاصيل طلبته أن يحضر لي بعضا من المقاطع المنتشرة بين شبابنا. في المحاضرة التالية سلمني الطالب نسخة من هذه المقاطع التي تمنيت أنني لم أطلبها. من جملة ما سمعته أغان غثة لا هدف لها إلا تهييج وتأجيج مشاعر الكراهية بين أفراد وطبقات المجتمع الواحد وإشاعة روح التعالي والفوقية على المجتمعات الإنسانية الأخرى. أغان تحتوي على مزيج من الكلمات والمفردات البذيئة الإنجليزية والكلمات السوقية الوضيعة في شكل أغان يترفع عن سماعها كل عاقل. أفقت حينها على حقيقة يصعب علي الاعتراف بها وهو أنني كنت مغيبا طوال ما يقرب من عقد من الزمن أو أكثر للتغيرات التي كانت تحدث في أوساط شبابنا. وتملكني شعور بأننا كجامعات قد قصرنا في القيام بمسؤولياتنا لأن الجامعات ومراكز بحوثها إذا لم تبحث في الظواهر التي تنهش مجتمعاتها فما فائدتها؟ إشكالية العنصرية يبدو لي أنها تتسع في مجتمعات الشباب الذين هم عماد الوطن وهم المستقبل... وإذا كان هذا حالهم اليوم فما الذي ننتظر منهم غدا؟ الحل في نظري ليس الضرب بيد من حديد على مثيري النعرات والعنصرية من الشباب، بل تحويل بعض إمكانات الجامعات لتعمل كمحطات إنذار مبكر للظواهر الاجتماعية التي يمكن أن تمزق وحدة هذا الوطن ومكتسباته. طلبة الجامعات هم مؤشر خطير لنبض المجتمع... والجامعات هي الأقدر من بين جميع أجهزة الدولة على رصد وتشخيص هذه الحالات واقتراح أنجع التوصيات. لماذا الجامعات؟ لأنه لا يمكن أن تجد مكانا فيه تجمع هائل من المفكرين والخبراء والعلماء تحت سقف واحد إلا في الجامعات. هؤلاء معظم وقتهم يقضونه في تأدية رسالتهم التعليمية بعيدين عن الأحداث التي تدور في المجتمع. وفي نظري أنه كلما اقترب أستاذ الجامعة من قضايا المجتمع كلما كان قادرا على تشخيص إشكالاته ومن ثم التفاعل معها بشكل مناسب وبشكل يخدم وحدة البلاد. لقد قاد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه حركة توحيد كبرى للم شمل هذه البلاد تحت راية واحدة لتكون قالبا صلبا يستند على شرع الله الذي ينبذ كل أنواع العنصرية النتنة التي تميز ضد فئة من البشر أو التحيز لأخرى. وما يؤكد توجه هذه البلاد المادة 12 من نظام الحكم التي تنص على "تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام". أهداف الدولة يجب أن يخدمها كل مؤهل لها وأملي ألا ننسى أن "معظم النار من مستصغر الشرر